وصفان للوجود ، مرجعهما إلى الشدّة والضعف بحسب مرتبة الوجود ، فترجعان إلى العلّيّة والمعلوليّة ، مآلهما إلى كون الشيء مستقلّا موجودا في نفسه وكونه رابطا قائما بغيره موجودا في غيره (١) ، فكلّ مرتبة من مراتب الوجود متقوّمة بما فوقها قائمة به وأخسّ منه ومقوّمة لما دونها مستقلّة بالنسبة إليه وأشرف منه. فلو فرض ممكنان أشرف وأخسّ وجودا كان من الواجب أن يوجد الأشرف قبل الأخسّ قبليّة وجوديّة ، وإلّا كان الأخسّ مستقلّا غير رابط ولا متقوّم بالأشرف ، وقد فرض رابطا متقوّما به ، وهذا خلف.
والمستفاد من الحجّتين أوّلا : أنّ كلّ كمال وجوديّ هو أخسّ من كمال آخر وجوديّ ، فالأشرف منهما موجود قبل الأخسّ ، والأشدّ منهما قبل الأضعف ، كالمرتبتين من الوجود المختلفتين شدّة وضعفا وإن اختلفتا ماهيّة ، نظير العقلين الأوّل والثاني.
وأمّا إذا كان الأخسّ فردا مادّيا لماهيّة فإنّما تفيد القاعدة أنّ الكمال الّذي هو مسانخ له وأشدّ منه موجود قبله ، من غير أن تفيد أنّ ذلك الكمال الأشدّ فرد لماهيّة الأخسّ ، لجواز أن يكون جهة من جهات الكمال الكثيرة في علّة كثيرة الجهات ، كالإنسان ـ مثلا ـ له فرد مادّي ذو كمال أخسّ ، وفوقه كمال إنسانيّ مجرّد من جميع الجهات أشرف منه ، لكن لا يلزم منه أن يكون إنسانا بالحمل الشائع ، لجواز أن يكون جهة من جهات الكمال الّذي في علّته الفاعلة ، فينتج حمل الحقيقة والرقيقة.
نعم ، تجري القاعدة في الغايات العالية المجرّدة الّتي لبعض الأنواع المتعلّقة بالمادّة ، كالإنسان ، لقيام البرهان على ثبوتها لذويها بالحمل الشائع إذا لم تصادف شيئا من الموانع الطبيعيّة.
وثانيا : أنّ القاعدة إنّما تجري فيما وراء المادّيّات وعالم الحركات من المجرّدات الّتي لا يزاحم مقتضياتها مزاحم ولا يمانعها ممانع. وأمّا المادّيّات
__________________
(١) وفي النسخ : «موجدا في غيره» والصحيح ما أثبتناه.