نوع والنظم والترتيب الّذي هو مستقرّ في أشخاص الأنواع يصدّق ذلك ، فإذا تأمّلنا في شيء من ذلك وجدنا مصالح ومنافع في خلقه ، نقضي منها عجبا (١) ، وكلّما أمعنّا وتعمّقنا فيه بدت لنا منافع جديدة وروابط عجيبة تدهش اللبّ وتكشف عن دقّة الأمر وإتقان الصنع.

وما تقدّم من البيان جار في العلل العالية والعقول المجرّدة الّتي ذواتها تامّة ووجوداتها كاملة ، منزّهة عن القوّة والاستعداد ، فليس صدور أفعالها منها لغرض وغاية تعود إليها من أفعالها ، ولم تكن حاصلة لها قبل الفعل لفرض تمام ذواتها ، فغايتها في فعلها ذواتها الّتي هي أظلال لذات الواجب تعالى ، وبالحقيقة غايتها في فعلها الواجب عزّ اسمه.

ويظهر ممّا تقدّم أنّ النظام الجاري في الخلقة أتقن نظام وأحكمه ، لأنّه رقيقة العلم الّذي لا سبيل للضعف والفتور إليه بوجه من الوجوه.

توضيحه : أنّ عوالم الوجود الكلّيّة ـ على ما سبقت إليها الإشارة (٢) ـ ثلاثة عوالم ، لا رابع لها عقلا ، فإنّها إمّا وجود فيه وصمة القوّة والاستعداد لا اجتماع لكمالاته الأوّليّة والثانويّة الممكنة في أوّل كينونته (٣) وإمّا وجود تجتمع كمالاته الأوّليّة والثانويّة الممكنة في أوّل كينونته ، فلا يتصوّر فيه طروّ شيء من الكمال بعد ما لم يكن. والأوّل «عالم المادّة والقوّة» والثاني إمّا أن يكون مجرّدا من المادّة دون آثارها من كيف وكمّ وسائر الأعراض الطارية للأجسام المادّيّة ، وإمّا أن يكون عاريا من المادّة وآثار المادّة جميعا. والأوّل «عالم المثال» والثاني «عالم العقل».

__________________

(١) أي : تتعجّب منها غاية التعجّب.

(٢) راجع الفرع الثالث من الفروع المذكورة في الفصل الثالث من المرحلة الحادية عشرة.

(٣) والمراد من الكمالات الأوّليّة هي الكمالات الذاتيّة كالجوهريّة والنموّ والنطق ، ومن الكمالات الثانية هي الكمالات العرضيّة كاللون والريح وغيرهما.

۳۳۶۱