وإذ كانت الموجودات الممكنة ـ بما لها من النظام الأحسن ـ في مرتبة وجوداتها العينيّة علما فعليّا للواجب تعالى فما فيها من الإيجاب قضاء منه تعالى. وفوقه العلم الذاتيّ منه المنكشف له به كلّ شيء على ما هو عليه في الأعيان على التفصيل بنحو أعلى وأشرف.
فالقضاء قضاءان : قضاء ذاتيّ خارج من العالم ، وقضاء فعليّ داخل فيه.
ومن هنا يظهر ضعف ما نسب إلى المشهور (١) من أنّ القضاء هو ما عند المفارقات العقليّة من العلم بالموجودات الممكنة بما لها من النظام.
وكذا ما ذهب إليه صدر المتألّهين رحمهالله ، أنّ القضاء هو العلم الذاتيّ المتعلّق بتفاصيل الخلقة ، قال في الأسفار : «وأمّا القضاء فهو عندهم عبارة عن وجود الصور العقليّة لجميع الموجودات ، فائضة عنه تعالى على سبيل الإبداع دفعة بلا زمان ، لكونها عندهم من جملة العالم ومن أفعال الله المباينة ذواتها لذاته ، وعندنا صور علميّة لازمة لذاته بلا جعل ولا تأثير وتأثّر ، وليست من أجزاء العالم ، إذ ليست لها حيثيّة عدميّة ولا إمكانات واقعيّة. فالقضاء الربّانيّ ـ وهو صورة علم الله ـ قديم بالذات باق ببقاء الله» (٢) ـ إنتهى.
وينبغي أن يحمل قوله : «صور علميّة لازمة لذاته» على العلم الذاتيّ الّذي لا ينفكّ عن الذات ، وإلّا فلو كانت لازمة خارجة كانت من العالم ولم تكن قديمة بالذات ـ كما صرّح بذلك ـ. على أنّها لو كانت حضوريّة انطبقت على قول أفلاطون في العلم ، وهو (٣) لا يرتضيه ، ولو كانت حصوليّة انطبقت على قول المشّائين ، وهو (٤) لا يرتضيه أيضا.
ووجه الضعف في القولين (٥) أنّ صدق القضاء بمفهومه على إحدى المرتبتين من العلم ـ أعني العلم الذاتيّ والعلم الفعليّ ـ لا ينفي صدقه على الاخرى ، فالحقّ
__________________
(١) نسب إليهم في الأسفار ٦ : ٢٩١ ـ ٢٩٢.
(٢) راجع الأسفار ٦ : ٢٩١ ـ ٢٩٢.
(٣ و ٤) الضميران عائدان إلى صدر المتألّهين.
(٥) أي : قول المشهور وقول صدر المتألّهين.