فإنّ علمه التفصيليّ بالأشياء ـ وهو عين ذاته ـ علّة لوجودها بما لها (١) من الخصوصيّات المعلومة ، فله تعالى عناية بخلقه.

وأمّا القضاء : فهو بمفهومه المعروف جعل النسبة الّتي بين موضوع ومحموله ضروريّة موجبة ، فقول القاضي مثلا في قضائه ـ فيما إذا تخاصم زيد وعمرو في مال أو حقّ ورفعا إليه الخصومة والنزاع وألقيا إليه حجّتهما ـ : «المال لزيد والحقّ لعمرو» إثبات المالكيّة لزيد وإثبات الحقّ لعمرو إثباتا ضروريّا يرتفع به التزلزل والتردّد الّذي أوجده التخاصم والنزاع قبل القضاء وفصل الخصومة. وبالجملة : قضاء القاضي إيجابه الأمر إيجابا علميّا يتبعه إيجابه الخارجيّ اعتبارا.

وإذا اخذ هذا المعنى حقيقيّا بالتحليل غير اعتباريّ انطبق على الوجوب الّذي يتلبّس به الموجودات الممكنة من حيث نسبتها إلى علّتها التامّة (٢) فإنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وهذا الوجوب الغيريّ من حيث نسبته إلى العلّة التامّة إيجاب ، ولا شيء في سلسلة الوجود الإمكانيّ إلّا وهو واجب موجب بالغير ، والعلل تنتهي إلى الواجب بالذات ، فهو العلّة الموجبة لها ولمعلولاتها (٣).

__________________

ـ وعند صدر المتألّهين والحكيم السبزواريّ عبارة عن علمها بالأشياء في مرتبة ذاتها ، علما مقدّسا عن شوب الإمكان ، فليست زائدة على ذاته تعالى ، بل هي نفس ذاته تعالى. راجع الأسفار ٦ : ٢٩١ ، وشرح المنظومة (قسم الحكمة) : ١٧٦.

وعند صدر الدين القونويّ عبارة عن إفاضة نوره الوجوديّ على من انطبع في مرآة عينه الّتي هي نسبة معلوميّته واستعدّ لقبول حكم ايجاده ومطهّريّته. راجع مصباح الانس (كلام الماتن) : ٨٧.

ومن هنا يظهر أنّ المصنّف رحمه‌الله تبع صدر المتألّهين ، وصرّح بذلك في تعليقته على الأسفار ٦ : ٢٩١ حيث قال : «العلم العنائيّ هو علم الفاعل بغاية فعله ، فالمعتمد في إثباته فيه تعالى على وجوب تقدّر الغاية لكلّ فعل عند فاعله ، وكون غايته تعالى في أفعاله هي ذاته ، فغاية كلّ موجود أو نظام وجود ـ وهي كماله الأخير والمصلحة المطلوبة منه ـ لها نحو تقرّر عنده تعالى بما أنّ الفعل فعله ، فينتج ما ذكره رحمه‌الله أنّه العلم التفصيليّ الذاتيّ بالكمالات الوجوديّة والنظام الأتمّ الجاري فيها».

(١) وفي النسخ : «بماله» والاولى ما أثبتناه.

(٢) وفي النسخ : «عللها التامّة» والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بل لا علّة بحقيقة معنى الكلمة إلّا الواجب تعالى.

۳۳۶۱