الرابع : أنّ معنى اتّصاف الذات بها كون الفعل الصادر منها فعل من تلبّس بالصفة. فمعنى كون الذات المتعالية عالمة أنّ الفعل الصادر منها متقن محكم ذو غاية عقلائيّة ، كما يفعل العالم. ومعنى كونها قادرة أنّ الفعل الصادر منها كفعل القادر ، فالذات نائبة مناب الصفات (١).
وربّما يظهر من بعضهم (٢) الميل إلى قول آخر ، وهو : أنّ معنى إثبات الصفات نفي ما يقابلها ، فمعنى إثبات الحياة والعلم والقدرة مثلا نفي الموت والجهل والعجز.
ويظهر من بعضهم (٣) أنّ الصفات الذاتيّة عين الذات ، لكنّها جميعا بمعنى واحد والألفاظ مترادفة.
والحقّ هو القول الأوّل (٤). وذلك لما تحقّق (٥) أنّ الواجب بالذات علّة تامّة ينتهي إليها (٦) كلّ موجود ممكن بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط ، بمعنى أنّ الحقيقة الواجبيّة هي العلّة بعينها. وتحقّق أيضا (٧) أنّ كلّ كمال وجوديّ في المعلول فعلّته في مقام علّيّته واجدة له بنحو أعلى وأشرف ، فللواجب بالذات كلّ كمال وجوديّ مفروض على أنّه وجود صرف لا يخالطه عدم. وتحقّق (٨) أنّ وجوده صرف بسيط
__________________
(١) هذا القول منسوب إلى المعتزلة ، راجع الفرق بين الفرق : ٧٨.
والمراد من قولهم : «الذات نائبة مناب الصفات» أنّ ما يترتّب من الآثار الكماليّة يترتّب على ذاته ، فالعلم ـ مثلا ـ يترتّب عليه الإحكام والإتقان ، وهما مترتّبان على ذاته تعالى من غير أن تكون فيه صفة العلم. فذاته تعالى تقوم مقام العلم. وكذا إيجاد العالم من آثار القدرة ، وهو مترتّب على ذاته من غير أن تكون له صفة القدرة ، فتقوم ذاته تعالى مقام القدرة. وهكذا في سائر الصفات.
(٢) وهو ضرار بن عمرو. راجع مقالات الإسلاميّين ١ : ٢٢٦ ، و ٢ : ١٥٩ ، والملل والنحل ١ : ٩٠.
(٣) نسبه صدر المتألّهين إلى كثير من العقلاء المدقّقين ، راجع الأسفار ٦ : ١٤٥.
(٤) أي : قول الحكماء.
(٥) في الفصل الخامس من المرحلة الثامنة.
(٦) وفي النسخ : «إليه» والصحيح ما أثبتناه.
(٧) راجع الفصل الثالث من المرحلة الاولى ، وآخر الفصل السادس من هذه المرحلة.
(٨) راجع الفصل الثالث من المرحلة الرابعة ، والفصل الثالث والفصل الرابع من هذه المرحلة.