أدّى ذلك إلى المحال من جهة اخرى وهي فساد النظام.
بيان ذلك : أنّ الكثرة لا تتحقّق إلّا بالآحاد ، ولا آحاد إلّا مع تميّز البعض من البعض ، ولا يتمّ تميّز إلّا باشتمال كلّ واحد من آحاد الكثرة على جهة ذاتيّة يفقدها الواحد الآخر ، فيغاير بذلك الآخر ويتمايزان ، كلّ ذلك بالضرورة ، والسنخيّة بين الفاعل وفعله تقضي بظهور المغايرة بين الفعلين حسب ما بين الفاعلين ، فلو كان هناك أرباب متفرّقون ـ سواء اجتمعوا على فعل واحد أو كان لكلّ جهة من جهات النظام العالميّ العامّ ربّ مستقلّ في ربوبيّته ، كربّ السماء والأرض وربّ الإنسان وغير ذلك ـ أدّى ذلك إلى فساد النظام والتدافع بين أجزائه ، ووحدة النظام والتلازم المستمرّ بين أجزائه تدفعه.
فإن قيل : إحكام النظام وإتقانه العجيب الحاكم بين أجزائه يشهد أنّ التدبير الجاري تدبير عن علم ، والاصول الحكميّة القاضية باستناد العالم المشهود إلى
__________________
ـ وهي خارجة عمّا يبحث عنها في هذا الفصل.
الجهة الثالثة : نفي الشريك عنه في الوجود الحقيقيّ والعلّيّة. وهي ما يبحث عنها في مبحث الوجود. وانعقد له فصل في الأسفار ٦ : ١١٠ عنوانه : «أنّ واجب الوجود تمام الأشياء ...».
الجهة الرابعة : نفي الشريك عنه في الربوبيّة والمدبّريّة والخالقيّة. وهي ما يبحث عنها في هذا الفصل. ولم تكن الوثنيّة مخالفة لنا في هذه الجهة ، بل المخالف في هذه الجهة هم الثنويّة لا الوثنيّة. قال في شرح المواقف : «واعلم انّه لا مخالف في هذه المسألة إلّا الثنويّة دون الوثنيّة ، فإنّهم لا يقولون بوجود إلهين واجبي الوجود ، ولا يصفون الأوثان بصفات الإلهيّة ، وإن اطلقوا عليها اسم الآلهة ، بل اتّخذوها على أنّها تماثيل الأنبياء أو الزهّاد أو الملائكة أو الكواكب واشتغلوا بتعظيمها على وجه العبادة توصّلا بها إلى ما هو إله حقيقة. وأمّا الثنويّة فإنّهم قالوا : نجد في العالم خيرا كثيرا وشرّا كثيرا وأنّ الواحد لا يكون خيرا شريرا بالضرورة ، فلكلّ منهما فاعل على حدة ، فالمانويّة والديصانيّة من الثنويّة قالوا : فاعل الخير هو النور وفاعل الشر هو الظلمة ... والمجوس منهم ذهبوا إلى أنّ فاعل الخير هو يزدان وفاعل الشر هو اهرمن ، ويعنون به الشيطان». راجع شرح المواقف : ٤٧٩.
ومن هنا يظهر عدم صواب ما في النسخ من ذكر «الوثنيّة».