الكمال الوجوديّ المتحقّق في العلّة بنحو أعلى وأشرف ، والحكم جار إن كان هناك علل عقليّة مجرّدة بعضها فوق بعض حتّى تنتهي إلى الواجب لذاته جلّ ذكره.
ويستنتج من ذلك أنّ فوق هذا النظام الجاري في العالم المشهود نظاما عقليّا نوريّا مسانخا له ، هو مبدأ هذا النظام ، وينتهي إلى نظام ربّانيّ في علمه تعالى هو مبدأ الكلّ ، وهذا أيضا أصل.
ومن الضروريّ أيضا أنّ علّة علّة الشيء علّة لذلك الشيء ، وأنّ معلول معلول الشيء معلول لذلك الشيء. وإذ كانت العلل (١) تنتهي إلى الواجب تعالى ، فكلّ موجود كيفما فرض فهو أثره ، وليس في العين إلّا وجود جواهر وآثارها والنسب والروابط الّتي بينها ، ولا مستقلّ في الوجود (٢) إلّا الواجب بالذات ، ولا مفيض للوجود إلّا هو.
فقد تبيّن بما تقدّم أنّ الواجب تعالى هو المجري لهذا النظام الجاري في نشأتنا المشهودة ، والمدبّر بهذا التدبير العامّ المظلّ على أجزاء العالم ، وكذا النظامات العقليّة النوريّة الّتي فوق هذا النظام وبحذائه على ما يليق بحال كلّ منها حسب ماله من مرتبة الوجود ، فالواجب لذاته ربّ للعالم مدبّر لأمره بالإيجاد بعد الإيجاد ، وليس للعلل المتوسطة (٣) إلّا أنّها مسخّرة للتوسّط من غير استقلال ، وهو المطلوب ، فمن المحال أن يكون في العالم ربّ غيره ، لا واحد ولا كثير.
على أنّه لو فرض كثرة الأرباب المدبّرين لأمر العالم ـ كما يقول به الثنويّة (٤) ـ
__________________
(١) أي : المعدّات ، فإنّه لا علّيّة بمعنى حقيقة الكلمة إلّا للواجب تعالى.
(٢) وفي النسخ : «في وجوده» والصحيح ما أثبتناه.
(٣) وهي المعدّات كما مرّ مرارا.
(٤) وفي النسخ : «والوثنيّة» والصحيح ما أثبتناه. والوجه في ذلك أنّ البحث عن نفي الشريك يقع في جهات أربع :
الجهة الاولى : نفي الشريك عن الله في الوجوب الذاتيّ. وهي ما مرّت في الفصل السابق.
الجهة الثانية : نفي الشريك عنه في استحقاق العبادة. والوثنيّة خالفتنا في هذه الجهة. ـ