برهان آخر (١) : لو تعدّد الواجب بالذات وكان هناك واجبان بالذات ـ مثلا ـ كان بينهما الإمكان بالقياس من غير أن يكون بينهما علاقة ذاتيّة لزوميّة ، لأنّها لا تتحقّق بين الشيئين إلّا مع كون أحدهما علّة والآخر معلولا أو كونهما معلولين لعلّة ثالثة ، والمعلوليّة تنافي وجوب الوجود بالذات.
فإذا لكلّ واحد منهما حظّ من الوجود ومرتبة من الكمال ليس للآخر. فذات كلّ منهما بذاته واجد لشيء من الوجود وفاقد لشيء منه ، وقد تقدّم (٢) أنّه تركّب مستحيل على الواجب بالذات.
برهان آخر : ذكره الفارابيّ في الفصوص : «وجوب الوجود لا ينقسم بالحمل على كثيرين مختلفين بالعدد ، وإلّا لكان معلولا» (٣).
ولعلّ المراد أنّه لو تعدّد الواجب بالذات لم تكن الكثرة مقتضى ذاته ، لاستلزامه أن لا يوجد له (٤) مصداق ، إذ كلّ ما فرض مصداقا له كان كثيرا (٥) والكثير لا يتحقّق إلّا بآحاد ، وإذ لا واحد مصداقا له فلا كثير ، وإذ لا كثير فلا مصداق له ، والمفروض أنّه واجب بالذات. فبقي أن تكون الكثرة مقتضى غيره ، وهو محال ، لاستلزامه الافتقار إلى الغير الّذي لا يجامع الوجوب الذاتيّ.
__________________
(١) هذا البرهان ذكره صدر المتألّهين في الأسفار ١ : ١٣٦.
(٢) راجع الفصل السابق.
(٣) راجع الفصوص للفارابيّ : ٤.
(٤) أي : مفهوم واجب الوجود.
(٥) لأنّ المفروض أنّه لا واجب إلّا متعدّدا.