محرّك غيره (١) ، ولو كان المحرّك متحرّكا فله محرّك أيضا غيره ، ولا محالة تنتهي سلسلة المحرّكات إلى محرّك غير متحرّك دفعا للدور والتسلسل. وهو لبراءته من المادّة والقوّة ، وتنزّهه عن التغيّر والتبدّل ، وثباته في وجوده (٢) واجب الوجود بالذات أو ينتهي إليه في سلسلة علله.

برهان آخر ، أقامه الطبيعيّون أيضا من طريق النفس الإنسانيّة (٣). تقريره : أنّ النفس الإنسانيّة مجرّدة عن المادّة ذاتا ، حادثة بما هي نفس بحدوث البدن ، لامتناع التمايز بدون الأبدان ، واستحالة التناسخ ـ كما بيّن في محلّه (٤) ـ. فهي ممكنة مفتقرة إلى علّة غير جسم ولا جسمانيّة ؛ أمّا عدم كونها جسما فلأنّها لو كانت جسما كان كلّ جسم ذا نفس ، وليس كذلك ؛ وأمّا عدم كونها جسمانيّة فلأنّها لو كانت جسمانيّة ـ سواء كانت نفسا اخرى أو صورة جسميّة أو عرضا جسمانيّا ـ كان تأثيرها بتوسّط الوضع ، ولا وضع للنفس مع كونها مجرّدة. على أنّ النفس لتجرّدها أقوى تجوهرا وأشرف وجودا من كلّ جسم وجسمانيّ ، ولا معنى لعلّيّة الأضعف الأخسّ للأقوى الأشرف. فالسبب الموجد للنفس أمر وراء عالم الطبيعة ، وهو الواجب تعالى بلا واسطة أو بواسطة علل مترتّبة تنتهي إليه.

__________________

(١) إذ المتحرّك لا يتحرّك عن نفسه.

(٢) وذلك لأنّ الحركة خروج الشيء من القوّة إلى الفعل ، والخروج كذلك ملازم للمادّة والتغيّر وعدم الثبات ، وإذا فرض أنّ شيئا غير متحرّك فهو بريء من المادّة والتغيّر وعدم الثبات ، بل هو بالفعل من جميع الجهات ، وهو إمّا واجب الوجود أو مجرّد ينتهي إلى واجب الوجود.

(٣) راجع الأسفار ٦ : ٤٤ ، والمطارحات : ٤٠٢ ـ ٤٠٣. ووصفه صدر المتألّهين بأنّه شريف جدّا. وقال الحكيم السبزواريّ ـ تعليقا على الأسفار ٦ : ٤٤ ـ : «ويجوز جعل هذا المسلك للإلهيّ جوازا متساوي الطرفين لو لم يكن راجحا بملاحظة ابتنائه بالنحو الأوثق الأشرف على معرفة النفس المستلزمة لمعرفة الربّ ، كما قال عليه‌السلام : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» وبملاحظة أخذ تجرّد النفس في الدليل وأنّ النفس السالكة عين المسلك ، بل بما هي مجرّدة عين المسلوك إليه ظهورا في مقام الفعل ، إذ لا آية كبرى من النفس المجرّدة بالفعل ، الكاملة علما وعملا ، والنفس بهذه الملاحظات موضوع من موضوعات الإلهيّ».

(٤) راجع تعليقات صدر المتألّهين على شرح حكمة الإشراق : ٤٧٦.

۳۳۶۱