وعلّته إمّا ممكنة مثله أو واجبة بالذات ، وعلى الثاني يثبت المطلوب ، وعلى الأوّل ينقل الكلام إلى علّته ، وهلمّ جرا ، فإمّا أن يدور أو يتسلسل وهما محالان ، أو ينتهي إلى علّة غير معلولة هي الواجب بالذات وهو المطلوب.

واعترض عليه (١) : بأنّه ليس بيانا برهانيّا مفيدا لليقين ، فإنّ البرهان إنّما يفيد اليقين إذا كان السلوك فيه من العلّة إلى المعلول ، وهو البرهان اللمّيّ (٢). وأمّا البرهان الإنّي المسلوك فيه من المعلول إلى العلّة فلا يفيد يقينا كما بيّن في المنطق. ولمّا كان الواجب تعالى علّة لكلّ ما سواه غير معلول لشيء بوجه كان السلوك إلى إثبات وجوده ـ من أيّ شيء كان ـ سلوكا من المعلول إلى العلّة غير مفيد لليقين ، وقد سلك في هذا البيان من الموجود الممكن الّذي هو معلوله إلى إثبات وجوده (٣).

والجواب عنه (٤) : أنّ برهان الإنّ لا ينحصر فيما يسلك فيه من المعلول إلى العلّة ، وهو لا يفيد اليقين ، بل ربّما يسلك فيه من بعض اللوازم العامّة الّتي للموجودات المطلقة (٥) إلى بعض آخر (٦) ، وهو يفيد اليقين ، كما بيّنه الشيخ في كتاب البرهان من منطق الشفاء (٧).

وقد سلك في البرهان السابق من حال لازمة لمفهوم موجود مّا (٨) ـ وهي كونه مساوقا (٩) للموجود من حيث هو موجود ـ إلى حال لازمة اخرى له ،

__________________

(١) هذا الاعتراض تعرّض له صدر المتألّهين في الأسفار ٦ : ٢٧.

(٢) والواجب تعالى ليس معلولا لشيء أصلا ، بل هو علّة لجميع ما عداه.

(٣) فالبرهان المذكور برهان إنّيّ غير مفيد لليقين.

(٤) كذا أجاب عنه المصنّف رحمه‌الله في تعليقته على الأسفار ٦ : ٦٧. وقال المحقّق اللاهيجيّ في شوارق الإلهام : ٤٩٨ : «وأيضا قالوا : من القياسات الآنيّة ما هو أقرب إلى اللمّ ، بل كاد أن يكون في مرتبته في الوثوق ، وهو ما يكون من اللوازم المنتزعة من حاقّ الملزوم وحقيقته من غير اعتبار أمر آخر على ما صرّح به الشيخ في الحكمة المشرقيّة» انتهى.

(٥) وهو كونها حقيقة ثابتة.

(٦) وهو كون بعضها واجبا بالذات.

(٧) راجع الفصل الثامن من المقالة الاولى من الفنّ الخامس من منطق الشفاء.

(٨) وفي النسخ : «لمفهوم وموجود مّا» والصحيح ما أثبتناه.

(٩) وفي النسخ : «وهو مساوق للموجود ...» والصحيح ما أثبتناه.

۳۳۶۱