دون العلم بوصفي العلّيّة والمعلوليّة المتضائفتين (١) ، فإنّ ذلك ـ مضافا إلى أنّه لا جدوى فيه ، لجريانه في كلّ متضائفين مفروضين من غير اختصاص بالعلم بالسبب (٢) ـ إنّما يفيد المعيّة دون توقّف العلم بالمعلول على العلم بالعلّة ، لأنّ المتضائفين معان قوّة وفعلا وذهنا وخارجا.
فإن قلت : نحن كثيرا مّا ندرك امورا من طريق الحسّ ، نقضي بتحقّقها الخارجيّ ونصدّق بوجودها ، مع الجهل بعلّتها ، فهناك علم حاصل بالمعلول مع الجهل بالعلّة. نعم ، يكشف ذلك إجمالا أنّ علّتها موجودة.
قلنا : الّذي يناله الحسّ هو صور الأعراض الخارجيّة من غير تصديق بثبوتها أو ثبوت آثارها ، وإنّما التصديق للعقل. فالعقل يرى أنّ الّذي يناله الإنسان بالحسّ وله آثار خارجة منه لا صنع له فيه ، وكلّ ما كان كذلك كان موجودا في خارج النفس الإنسانيّة. وهذا سلوك علميّ من أحد المتلازمين إلى الآخر.
والّذي تقدّم هو توقّف العلم بذي السبب على سببه ، وأمّا ما لا سبب له فإنّما يعلم ثبوته من طريق الملازمات العامّة (٣) كما حقّق في صناعة البرهان (٤).
فكون الشيء مستقلّا عن شيء آخر ولا صنع له فيه وكونه مغايرا لذلك وخارجا عنه صفتان عامّتان متلازمتان لا سبب لهما ، بل الملازمة ذاتيّة كسائر
__________________
ـ هو ذاتهما من جهة أنّ أحدهما سبب والآخر مسبّب منه وكان العلم بهما بوصفي السببيّة والمسبّبيّة والعلّيّة والمعلوليّة فحينئذ وإن كان العلم بالسبب يستلزم العلم بالمسبّب إلّا أنّه لا وجه لاختصاص هذا الحكم بالعلم بالسبب ، بل العلم بالمسبّب أيضا يستلزم العلم بالسبب.
ومن هنا يظهر أنّه لا معنى لقوله الآتي : «دون العلم بوصفي العلّيّة والمعلوليّة المتضائفين».
(١) وفي النسخ : «المتضائفين» والصحيح ما أثبتناه.
(٢) وفي النسخ : «من غير اختصاص بالعلم» والصحيح ما أثبتناه.
(٣) فيستدلّ بما هو بيّن منها على ما ليس ببيّن. ويسمّى بالبرهان الإنّيّ المطلق.
(٤) راجع الفصل الثامن من المقالة الاولى من الفن الخامس من منطق الشفاء.