والحكم ، لكنّ النفس تتوصّل إلى الحكم ـ الّذي هو جعل الموضوع هو المحمول بتصوّر المحمول منتسبا إلى الموضوع أوّلا (١) ـ ليتأتّى منها الحكم. ويدلّ على ذلك خلوّ الهليّات البسيطة عن النسبة الحكميّة ، وهي قضايا ، كما تقدّم (٢). فالقضيّة بما هي قضيّة لا تحتاج في تحقّقها إلى النسبة الحكميّة ، هذا.

وأمّا كون الحكم فعلا نفسانيّا في ظرف الإدراك الذهنيّ فحقيقته في قولنا : «زيد قائم» ـ مثلا ـ أنّ النفس تنال من طريق الحسّ أمرا واحدا هو زيد القائم ، ثمّ تنال عمرا قائما وتنال زيدا غير قائم ، فتستعدّ بذلك لتجزئة زيد القائم إلى مفهومي : «زيد» و «القائم» ، فتجزّأ وتخزنهما عندها. ثمّ إذا أرادت حكاية ما وجدته في الخارج أخذت زيدا والقائم المخزونين عندها وهما اثنان ، ثمّ جعلتهما واحدا. وهذا هو الحكم الّذي ذكرنا أنّه فعل ـ أي جعل وإيجاد ـ منها ، تحكي به الخارج.

فالحكم فعل من النفس ، وهو مع ذلك من الصور الذهنيّة الحاكية لما وراءها. ولو كان تصوّرا مأخوذا من الخارج لم تكن القضيّة مفيدة لصحّة السكوت ، كما في أحد جزئي الشرطيّة. ولو كان تصوّرا أنشأته النفس من عندها من غير استعانة واستمداد من الخارج لم يحك الخارج. وسيوافيك بعض ما يتعلّق بالمقام (٣).

وقد تبيّن بما مرّ أنّ كلّ تصديق يتوقّف على تصوّرات أكثر من واحد ، فلا تصديق إلّا عن تصوّر.

__________________

(١) وفي النسخ جاء «أوّلا» قبل قوله : «بتصوّر المحمول» والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في السطور السابقة.

(٣) في الفصل العاشر من هذه المرحلة.

۳۳۶۱