قلت : الوجه في ذلك ما تقدّم في الأبحاث السابقة (١) أنّ كلّ نوع مجرّد منحصر في فرد ، ولازم ذلك أنّ سلسلة العقول لّتي يثبتها البرهان ويثبت استناد وجود المادّيّات والآثار المادّيّة إليها ، كلّ واحد من حلقاتها نوع منحصر في فرد ، وأنّ كثرتها كثرة طوليّة مترتّبة منتظمة من علل فاعلة آخذة من أوّل ما صدر منها من المبدأ الأوّل إلى أن ينتهي إلى أقرب العقول من المادّيّات والآثار المادّيّة ، فتعيّن استناد المادّيّات والآثار المادّيّة إلى ما هو أقرب العقول إليها ، وهو الّذي يسمّيه المشّاؤون ب «العقل الفعّال» (٢).

نعم ، الإشراقيّون منهم (٣) أثبتوا وراء العقول الطوليّة ودونها عقولا عرضيّة هي أرباب الأنواع المادّيّة ، لكنّهم يرون وجود كلّ نوع بأفراده المادّيّة وكمالاتها مستندا إلى ربّ ذلك النوع ومثاله (٤).

ونظير البيان السابق الجاري في الصور العلميّة الكلّيّة يجري في الصور العلميّة الجزئيّة ، ويتبيّن به أنّ مفيض الصور العلميّة الجزئيّة جوهر مفارق مثاليّ ، فيه (٥) جميع الصور الجزئيّة على نحو العلم الإجماليّ ، تتّحد به النفس على قدر ما لها من الاستعداد ، فيفيض عليها الصور المناسبة.

__________________

(١) راجع الفصل السابع من المرحلة الخامسة.

(٢) راجع الفصل الخامس من المقالة الخامسة من الفنّ السادس من طبيعيّات الشفاء ، والفصلين الرابع والخامس من المقالة التاسعة من إلهيّات الشفاء ، والمباحث المشرقيّة ٢ : ٥٠١ ـ ٥١٥ ، والتعليقات للشيخ الرئيس : ١٠٠ ـ ١٠١ ، والنجاة : ٢٧٣ ـ ٢٧٨ ، والأسفار ٣ : ٤٦١ ـ ٤٦٥ و ٧ : ٢٥٨ ـ ٢٨١. وقال صدر المتألّهين في الأسفار ٣ : ٤٦٤ : «إنّ فعل هذا العقل المفارق في العقل الهيولانيّ شبيه فعل الشمس في الضوء الحاصل للبصر والمبصرات. فلذلك يسمّى بالعقل الفعّال».

(٣) أي : الإشراقيّون من الفلاسفة.

(٤) راجع المطارحات : ٤٥٥ ـ ٤٥٩ ، وحكمة الإشراق : ١٤٣ ـ ١٤٤ ، وشرح حكمة الإشراق : ٢٥١ ـ ٢٥٤.

(٥) أي : في هذا الجوهر المفارق المثاليّ.

۳۳۶۱