العقليّة الكلّيّة (١). وذلك لما تقدّم (٢) أنّ هذه الصور العلميّة مجرّدة من المادّة مفاضة للنفس ، فلها مفيض ، ومفيضها إمّا هو النفس تفعلها وتقبلها معا ، وإمّا أمر خارج مادّيّ أو مجرّد. أمّا كون النفس هي المفيضة لها الفاعلة فيها (٣) فمحال ، لاستلزامه كون الشيء الواحد فاعلا وقابلا معا ، وقد تقدّم بطلانه (٤). وأمّا كون المفيض أمرا مادّيا فيبطله أنّ الماديّ أضعف وجودا من المجرّد ، فيمتنع أن يكون فاعلا فيها والفاعل أقوى وجودا من الفعل ؛ على أنّ فعل العلل المادّيّة مشروط بالوضع ، ولا وضع لمجرّد. فتعينّ أنّ المفيض لهذه الصور العقليّة جوهر مجرّد عقليّ هو أقرب العقول المجرّدة من الجوهر المستفيض ، فيه جميع الصور العقليّة المعقولة عقلا إجماليّا ، تتّحد معه النفس المستعدّة للتعقّل على قدر استعدادها ، فتستفيض منه ما تستعدّ له من الصور العقليّة (٥).

فإن قلت : هب (٦) أنّ الصور العلميّة الكلّيّة بإفاضة الجوهر المفارق ـ لما تقدّم من البرهان ـ لكن ما هو السبب لنسبة الجميع إلى عقل واحد شخصيّ (٧)؟ هلّا أسندوها إلى عقول كثيرة مختلفة الماهيّات بنسبة كلّ واحد من الصور إلى جوهر مفارق غير ما ينسب إليه غيره (٨) ، أو بنسبة كلّ فريق من الصور إلى عقل غير ما ينسب إليه فريق آخر؟

__________________

(١) فهذا الجوهر العقليّ المفارق أوّل ما يصدر من الله تعالى ويسمّى : «العقل الفعّال». والمناهج المذكورة لإثباته كثيرة تعرّض لها صدر المتألّهين في الأسفار ٧ : ٢٦٢ ـ ٢٨١.

(٢) في الفصل الأوّل من هذه المرحلة.

(٣) وفي النسخ : «الفاعلة لها» والصحيح ما أثبتناه.

(٤) راجع الفصل العاشر من المرحلة الثامنة.

(٥) أي : فتستفيض النفس من الجوهر المستفيض الصور العقليّة على قدر استعدادها. وعليه فتكون الصور العقليّة قائمة بالنفس قياما حلوليّا وقائمة بالعقل الفعّال قياما صدوريّا.

(٦) أي : لنفرض.

(٧) هو العقل الفعّال.

(٨) وفي النسخ : «غير ما ينسب إليه» والصحيح ما أثبتناه.

۳۳۶۱