الأعراض المشخّصة (١) لحصول الاستعداد في النفس للإدراك الحسّيّ ، وكذا اشتراط الاكتناف بالمشخّصات للتخيّل ، وكذا اشتراط التقشير في التعقّل للدلالة على اشتراط إدراك أكثر من فرد واحد لحصول استعداد النفس لتعقّل الماهيّة الكلّيّة المعبّر عنه بانتزاع الكلّيّ من الأفراد.
الثاني : أنّ أخذ المفهوم وانتزاعه من مصداقه يتوقّف على نوع من الاتّصال بالمصداق والارتباط بالخارج (٢) سواء كان بلا واسطة كاتّصال أدوات الحسّ في العلم الحسيّ بالخارج ، أو مع الواسطة كاتّصال الخيال في العلم الخياليّ بواسطة الحسّ بالخارج (٣) وكاتّصال العقل في العلم العقليّ من طريق إدراك الجزئيّات بالحسّ والخيال بالخارج (٤).
فلو لم تستمدّ القوّة المدركة في إدراك مفهوم من المفاهيم من الخارج وكان الإدراك بإنشاء منها من غير ارتباط بالخارج استوت نسبة الصورة المدركة إلى مصداقها وغيره ، فكان من الواجب أن تصدق على كلّ شيء أو لا تصدق على شيء أصلا ، والحال أنّها تصدق على مصداقها دون غيره ، وهذا خلف.
فإن قلت : انتهاء أكثر العلوم الحصوليّة إلى الحسّ لا ريب فيه ، لكن ما كلّ علم حصوليّ حاصلا بواسطة الحسّ الظاهر ، كالحبّ والبغض والإرادة والكراهة وغيرها المدركة بالحواسّ الباطنة ، فصورها الذهنيّة مدركة لا بالاتّصال بالخارج. وأيضا لا تدرك الحواسّ إلّا الماهيّات العرضيّة ، ولا حسّ ينال الجوهر بما هو جوهر ، فصورته الذهنيّة مأخوذة لا من طريق الحسّ واتّصاله بالخارج.
قلت : أمّا الصور الذهنيّة المأخوذة بالإحساسات الباطنة ـ كالحبّ والبغض وغيرهما ـ فالنفس تأخذها ممّا تدركه من الصفات المذكورة بوجودها الخارجيّ
__________________
(١) من الأين والمتى والوضع والكيف وغيرها.
(٢) أي خارج المفاهيم.
(٣) قوله : «بالخارج» متعلّق بقوله : «كاتّصال الخيال».
(٤) أي : كاتّصال العقل بالخارج من طريق إدراك الجزئيّات.