من الزمان حادث زمانيّ بهذا المعنى (١). وكذلك الكلّ ، إذ لمّا كان الزمان مقدارا غير قارّ للحركة الّتي هي خروج الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجا كانت فعليّة وجوده مسبوقة بقوّة وجوده وهو الحدوث الزمانيّ.
وأمّا الحدوث بمعنى كون وجود الزمان مسبوقا بعدم خارج من وجوده سابق عليه سبقا لا يجامع فيه القبل البعد ففيه فرض تحقّق القبليّة الزمانيّة من غير تحقّق الزمان. وإلى ذلك يشير ما نقل عن المعلّم الأوّل : «أنّ من قال بحدوث الزمان فقد قال بقدمه من حيث لا يشعر» (٢).
تنبيه :
قد تقدّم في مباحث القوّة والفعل (٣) أنّ لكلّ حركة شخصيّة زمانا شخصيّا يخصّها ويقدّرها ، فمنه الزمان العموميّ الّذي يعرض الحركة العموميّة الجوهريّة الّتي تتحرّك بها مادّة العالم المادّيّ في صورها ، ومنه الأزمنة المتفرّقة الّتي تعرض الحركات المتفرّقة العرضيّة وتقدّرها. وأنّ الزمان الّذي يقدّر به العامّة (٤) حوادث العالم هو زمان الحركة اليوميّة الّذي يراد بتطبيق الحوادث عليه الحصول على نسب بعضها إلى بعض بالتقدّم والتأخّر والطول والقصر ونحو ذلك.
إذا تذكّرت هذا فاعلم أنّ ما ذكرناه من معنى الحدوث والقدم الزمانيّين يجري في كلّ زمان كيفما كان ، فلا تغفل.
__________________
(١) لا يخفى أنّ هذا الكلام لا يتمّ إلّا إذا لم يكن للزمان جزءا لم يسبقه زمان ، وإلّا فما ذكره لا يصدق في ذلك الجزء ، بل لا بدّ من القول بحدوثه الدهريّ.
(٢) والناقل صدر المتألّهين في الأسفار ٣ : ٢٤٥.
(٣) في الفصل الحادي عشر من المرحلة التاسعة.
(٤) وفي النسخ : «يقدّر بها العامّة» والصحيح ما أثبتناه.