والتأخّر : «تقدّما وتأخّرا بحسب الرتبة».
ثمّ عمّموا ذلك فاعتبروه في مورد الشرف والفضل والخسّة وما يشبه ذلك ممّا يكون فيه زيادة من المعنويّات ، كتقدّم العالم على الجاهل ، والشجاع على الجبان. فباعتبار النوع بآثار كماله مبدأ مثلا يختلف في النسبة إليه العالم والجاهل ، والشجاع والجبان ، ويسمّيان : «تقدّما وتأخّرا بالشرف».
وانتقلوا أيضا إلى التقدّم والتأخّر الزمانيّين ـ بما أنّ الجزئين من الزمان كاليوم والأمس ـ يشتركان في حمل قوّة الأجزاء اللاحقة ، لكن ما لأحدهما ـ وهو اليوم ـ من القوّة المحمولة محمولة للآخر ـ وهو الأمس ـ ولا عكس ، لأنّ الأمس يحمل قوّة اليوم بخلاف اليوم ، فإنّه يحمل فعليّة نفسه ، والفعليّة لا تجامع القوّة. ولذا كان الجزآن من الزمان لا يجتمعان في فعليّة الوجود. فبين أجزاء الزمان تقدّم وتأخّر لا يجامع المتقدّم منها المتأخّر ، بخلاف سائر أقسام التقدّم والتأخّر. وكذا بين الحوادث الّتي هي حركات منطبقة على الزمان تقدّم وتأخّر زمانيّ بتوسّط الزمان الّذي هو تعيّنها (١) ، كما أنّ للجسم الطبيعيّ الامتدادات الثلاثة (٢) بتوسّط الجسم التعليميّ الّذي هو تعيّنه.
وقد تنبّهوا بذلك إلى أنّ في الوجود أقساما اخر من التقدّم والتأخّر الحقيقيّين ، فاستقرؤها (٣) ، فأنهوها ـ أعمّ من الاعتباريّة والحقيقيّة (٤) ـ إلى تسعة أقسام (٥) :
__________________
(١) كما مرّ في الفصل الحادي عشر من المرحلة التاسعة.
(٢) أي : الامتدادات الثلاثة المقدّرة بمقدار خاصّ. وأمّا الامتدادات الثلاثة المبهمة فهي موجودة للجسم بذاته لا بتوسّط الجسم التعليميّ.
(٣) قال العلّامة في كشف المراد : ٥٨ : «وهذا الحصر استقرائيّ لا برهانيّ ، إذ لم يقم برهان على انحصار التقدّم في هذه الأنواع».
(٤) أمّا الاعتباريّة فهي التقدّم والتأخّر بالرتبة وبالشرف وبالزمان وبالماهيّة وبالحقيقة والمجاز. وأمّا الحقيقيّة فهي التقدّم والتأخّر بالطبع وبالعلّيّة وبالدهر وبالحقّ.
(٥) اعلم أنّ الشيخ الرئيس ذكر للتقدّم والتأخّر خمسة أقسام ، وتبعه غيره من الحكماء. راجع الفصل الأوّل من المقالة الرابعة من إلهيّات الشفاء ، والنجاة : ٢٢٢ ، والتحصيل : ٣٥ ـ ٣٦ ـ