__________________

ـ عليه بالمعنى الأوّل فواضح ، فإنّها ينحصر في ما لا يبقى للشيء معها إلّا أن يتحقّق. وأمّا بالمعنى الثاني ـ وهو ما بنى المصنّف رحمه‌الله كلامه عليه في صدر الفصل ـ فلأنّه ليس ما يتوقّف عليه الشيء في تحقّقه ، بل المتوقّف عليه مجموع المركّب منه ومن غيره ، وأمّا نفس الأجزاء فليس بينها وبين المعلول رابطة العلّيّة حتّى يطلق العلّة عليها.

فالأولى أن يقال : العلّة هي ما يؤثّر في وجود ، والمعلول وجود يتأثّر من مؤثّر. وبتعبير أوضح وأكمل : العلّة حقيقة تؤثّر في وجود من حيث هي مؤثّرة فيه بالفعل. والمعلول ذلك الوجود من حيث هو متأثّر بالفعل.

فإن كان المؤثّر في الوجود مؤثّرا غير متأثّر فهو العلّة التامّة ، وهي العلّة الحقيقيّة الّتي تنحصر في علّة العلل ، أي الواجب تعالى ، فإنّه علّة كلّ موجود حدوثا وبقاء ، لأنّه المؤثّر في وجود الأشياء بالفعل وبقاء ، كما كان مؤثّرا في وجودها حدوثا.

وإن كان المؤثّر في الوجود مؤثّرا هو متأثّر عن المؤثّر الآخر في وجوده فهو العلّة الناقصة ، وهي العلّة المجازيّة ، لأنّه وإن كان علّة من جهة أنّه مؤثّر في الوجود بالفعل إلّا أنّ وجود نفسه متأثّر من غيره ، ولا استقلال له في التأثير كي يكون مؤثّرا تامّا.

ومن هنا يظهر أنّ العلّة الحقيقيّة هي العلّة التامّة الواحدة البسيطة ، الّتي قريبة من الأشياء غير ملابسة ، وبعيدة منها غير مباينة ، داخلة في الأشياء لا بالممازجة ، وخارجة عنها لا بالمزايلة. وهي الواجب تعالى ، فإنّه المؤثّر التامّ الغنيّ الّذي يتأثّر منه كلّ أثر حدوثا وبقاء ، وهو علّة واحدة لما سيأتي في باب التوحيد ، وبسيطة لأنّه صرف الوجود ، وصرف الوجود بسيط ، وقريبة لأنّه لا واسطة بينه وبين الوجودات المتأثّرة عن فيضه ، وبعيدة لأنّ بين مرتبة وجوده الغير المتناهي ومرتبة وجود غيرها بون بعيد.

ويظهر أيضا أنّ ما يعبّر عنه بالعلّة الناقصة والعلّة الكثيرة والعلّة المركّبة وغيرها ليس علّة حقيقيّة ، بل هي معدّات تقرّب المادّة إلى إفاضة الفاعل وتهيّئها للخروج من العدم إلى الوجود بعد إفاضة الفاعل.

قال الحكيم السبزواريّ : «ومذهب الحكماء أنّ العلل معدّات. ومراد القوم بكون القوّة معدّة معناها اللغويّ ، أي المهيّئ والواسطة في إيصال أثر المؤثّر الحقيقيّ. والمصنّف رحمه‌الله أيضا أطلق المعدّ بهذا المعنى على المبادئ المقارنة والمطارقة في الإلهيّات وفي كتابه المبدأ والمعاد ، حيث ذكر أنّ الفاعل الحقيقيّ المعطي للوجود لا يكون إلّا بريء ممّا بالقوّة مطلقا ، وهو ليس إلّا واجب الوجود بالذات تعالى ، وما عداه معدّات ووسائط الوجود». راجع تعليقته على الأسفار ٩ : ٦٩. ـ

۳۳۶۱