استعمال فعل الماضي والّذي أشرنا إلى ان سياقه سياق نفي الشأنية لا الاخبار عن الأمم الهالكة بل ان سياقها يناسب إرادة العذاب الأخروي لأنها وردت في سياق ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) وهي تنظر إلى عالم الإدانة والمسئولية والعقاب الأخروي أي إلى عالم التشريع لا التكوين. ان النكتة واحدة بعد فرض ان المستفاد من الآية نفي الشأنية.
هذا ولكن ينبغي ان يعلم ان المقدار الّذي يثبت بها البراءة ما لم يصدر من الشارع البيان لا ما لم يصل إلى المكلف لأن بعث الرسول غاية ما يمكن ان يحمل عليه هو الكناية عن صدور التشريع لا وصوله إلى المكلف والمطلوب لنا إثبات البراءة فيما لم يصل إلى المكلف فالآية غاية ما تدل عليه إناطة العقاب بالصدور والتشريع لا بالعلم والوصول وهو مطلب آخر لا يمكن إحرازه في الشبهات وإحرازه باستصحاب عدم الصدور رجوع إلى الاستصحاب الّذي يمكن إجراؤه في عدم جعل الحكم ابتداء وان كان الأول موضوعيا وسوف يأتي مزيد بحث في هذه النقطة.
ومن جملة الآيات قوله تعالى ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير. ) (١). وتقريب الاستدلال : ان الله سبحانه قد علم نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه الآية كيفية المحاجة مع أهل الكتاب في تحريمهم ما لم ينزل بها من سلطان بأنه لا يجد فيما أوحي إليه محرما غير ما ذكر فكأن عدم الوجدان يكفي في التخلص عن تبعات التكليف.
وفيه : أولا ـ ان عدم الوجدان من مثل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما يوحى إليه يكون دليلا قاطعا على عدم التحريم واقعا فليس الآية في مقام جعل حكم ظاهري بل هذا لا يناسب مقام التخاصم مع أهل الكتاب.
وثانيا ـ ان عدم وجدان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على أقل تقدير يكون دليلا قاطعا على عدم صدور التشريع فلو فرض دلالتها على البراءة فهي منوطة بعدم الصدور لا الوصول وهو مطلب آخر لا يمكن إحرازه في الشبهات كما أشرنا إليه.
وثالثا ـ يحتمل ان يكون قد لوحظ عدم وجدان الحرمة منضما إلى الأدلة الاجتهادية
__________________
(١) سورة الأنعام : ١٤٥.