ترخيص في معصية التكليف الواصل والترخيص في المعصية قبيح لا يصدر من الحكيم ، وان شئت قلت : يقع التضاد بين الترخيص الظاهري في الطرفين وحكم العقل بقبح المعصية لا بينه وبين الحكم الواقعي كما توهمه المحقق الخراسانيّ ( قده ).
وفيه : ان المعصية وان كانت قبيحة كلما تحققت بحكم العقل ، وحكم العقل لا يقبل التخصيص الا ان الكلام في تحقق موضوعها فان هذا فرع ان تكون منجزية العلم تنجيزية لا معلقة على عدم الترخيص الشرعي ، وقد تقدم في أصل البرهان ان حكمه تعليقي وليس تنجيزيا فيمكن للشارع ان يرفعه بترخيصه لأن هذا الحكم من أجل المولى وليس عليه فكلما أمكن للمولى ان يرخص مولويا ارتفع موضوع المعصية والقبح ، وقد تقدم مفصلا ان مرتبة الترخيص المولوي بملاك التزاحم الحفظي معقول في مورد العلم الإجمالي وان لم يكن معقولا في مورد العلم التفصيليّ.
وهكذا يتضح ان ترخيص المولى في تمام الأطراف لا يعني الترخيص في المعصية ، إذ ليس ذلك بمعنى رفع مولوية المولى أو الترخيص في هتك حرمته ومعصيته ليقال باستحالته لأن مولويته ذاتية وقبح هتكه ومعصيته لا يقبل التخصيص ، بل بمعنى إعمال المولى لولايته وتحركه باتجاه حفظ ما هو المهم من غرضه في مقام التزاحم الحفظي والمحركية تمام كما هو الحال في موارد الشبهات البدوية ، بل المنع عن ذلك بدعوى انه ليس للمولى تقديم أغراضه الترخيصية على الغرض الإلزامي في موارد التزاحم هو بحسب الحقيقة تحديد لمولوية المولى وتحكم عليه.
فالحاصل : كما لا تضاد بين التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال مع الترخيص الظاهري في تمام الأطراف لانحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في مورده كذلك لا تضاد بين الترخيص الظاهري وحكم العقل بقبح المعصية.
الوجه الثالث ـ ما جاء في كلمات المحقق العراقي ( قده ) (١) ، وهو يمكن تحليله إلى أحد بيانين :
الأول ـ انا لا نتعقل فرقا بين العلم الإجمالي والتفصيليّ في المنجزية ، لأن الإجمال انما هو في خصوصيات لا دخل لها فيما يدخل في العهدة وتشتغل به الذّمّة بحكم العقل ،
__________________
(١) نهاية الأفكار القسم الثاني من الجزء الثالث ، ص ٣٠٥ ـ ٣٠٧.