وهكذا يظهر عدم إمكان التفصي عن هذا الإشكال أصوليا رغم ان النتيجة قد تكون غريبة ، نعم قد يحاول التفصي عن الإشكال فقيها بأنه يوجد في المقام داعيان إلهيان متصوران أحدهما احتمال الوجوب الداعي إلى الفعل والآخر احتمال الحرمة الداعي إلى الترك فإذا فرضنا ان كلا من الداعيين علة تامة في نفسه لتحريك المكلف لكنه مبتلى بالمزاحمة بمثله كان من اللازم على المكلف تحصيل داع نفساني لترجيح الفعل على الترك لكفاية هذا المقدار في قصد القربة المعتبر في العبادات لأن أصل الداعي القربي لما كان حاصلا غاية الأمر تزاحم بداع قربي آخر مثله فلا يضر بالقربية لأن جهة النقص فيها انما نشأت من المزاحمة بداع قربي لا بداع آخر دنيوي. بموارد المزاحمة مع داع آخر دنيوي يحرك نحو ضده وفرض ترجيح فعله بداع آخر دنيوي.
وان شئت قلت : ان صدور كل من الفعل والترك من المكلف بداعي ترك المخالفة القطعية كاف في القربية اللازمة لتحقق الغرض الشرعي من الفعل أو الترك إذا كان الأمر به قربيا لأن الدليل على اشتراط قصد القربة ليس لفظيا بل مثل الإجماع ونحوه وهو لا يقتضي أكثر من هذا المقدار.
هذا كله إذا فرض تساوي الطرفين ، واما مع فرض وجود مزية لأحد الطرفين احتمالا أو محتملا ـ وفرضت المزية في جانب التكليف التعبدي أو فرض إمكان التعبد بالحل الفقهي المتقدم ـ فهنا يمكن إيقاع الفعل على وجه عبادي قطعا فيكون الاضطرار إلى أحد الطرفين لا بعينه الّذي سوف يأتي انه من التوسط في التنجيز وبقاء تأثير العلم الإجمالي في تحريم المخالفة القطعية وهل يكون الترخيص تخييريا أو يتعين الترخيص باقتحام الطرف غير ذي المزية مع بقاء الطرف ذي المزية تحت منجزية العلم الإجمالي أو منجزية الاحتمال فلا تسوغ مخالفته حتى عنده موافقة الطرف الآخر؟ هذا بحث نقحناه في مباحث دليل الانسداد. وخلاصة الكلام فيه ان الترخيص في طرف غير ذي المزية على تقدير موافقة الطرف ذي المزية متيقن والزائد عليه غير معلوم فيرجع فيه إلى منجزية الاحتمال أو منجزية العلم الإجمالي ، خلافا لما تقدم في المقام السابق الّذي كان كلا الطرفين فيه توصليين حيث قلنا بعدم وجوب الاحتياط بناء على قاعدة قبح العقاب بلا بيان بلحاظ أهمية أحد الطرفين من حيث مزية في المحتمل لأن العلم الإجمالي هناك لم يكن منجزا لاستحالة المخالفة القطعية بينما في المقام