وهكذا يكون الميزان والضابط في جميع هذه الصور والتطبيقات ان يكون الشك والشبهة الموضوعية فيما يكون مستتبعا لفعلية التكليف من قيوده أو موضوعه لا في سعة دائرة الامتثال وما يستتبعه التكليف بعد الفراغ عن فعليته. هذا حاصل ما أفاده المحقق النائيني ( قده ) بتوضيح وتنقيح منا.
وهذا الكلام بهذا المقدار يمكننا التعليق عليه بأمور ثلاثة :
الأول ـ وهو إشكال في تطبيق ورد في هذا التفصيل ـ ان ما ذكره في متعلق الحكم من انه لا يتصور الشك فيه إذا لم يكن له متعلق غير صحيح ، فانه يعقل شك المكلف في عمله حال الفعل من غير ناحية متعلق عمله كما إذا كلف برسم دائرتين أو كتابة جملتين متساويتين فشك المكلف حين الفعل انهما متساويتان أم لا (١) الثاني ـ ان البراءة لا تختص بما إذا كان موضوع الحكم المشكوك خارجا انحلاليا بل تجري حتى فيما إذا كان التكليف واحدا له موضوع واحد وهو المجموع ولكنه كان بنحو الشمولية كما إذا علم بوجوب إكرام كل العلماء بنحو المجموعية وشك في ان زيدا عالم أم لا ، فانه تجري البراءة فيه لأنه شك في سعة دائرة التحريك المولوي رغم انه لا يستتبع الشك في تكليف استقلالي بل ضمني ، وهذا بحسب الحقيقة من موارد الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطي بنحو الشبهة الموضوعية.
الثالث ـ ان جريان البراءة في الشبهة الموضوعية لا يختص بما إذا كان الشك في قيود الحكم أو في تحقق موضوعه أعني متعلق المتعلق المأخوذ قيدا في التكليف بحسب الحقيقة إذ ليس من الضروري دائما ان يكون متعلق المتعلق قيدا في التكليف سواء كان إيجابا أو تحريما ، وانما قد يفرض ذلك إذا كان امرا غير اختياري كالقبلة فإذا كان تحت اختيار المكلف فلا ضرورة لأخذه قيدا فيه ومع ذلك تجري البراءة عند الشك فيه ، فإذا كان الحكم بحرمة الخمر مثلا فعليا قبل تحقق الخمر خارجا بان كان يحرم إيجاد الخمر وشربه من أول الأمر ـ وثمرته الردع مولويا عن إيجاد الخمر أيضا إذا علم انه إذا أوجده اضطر إلى شربه أو نحو ذلك ـ جرت البراءة عن الحرمة التي تكون ثابتة
__________________
(١) يمكن ان يقال : بان كلا من الفعلين بلحاظ الآخر أصبح متعلق المتعلق ولهذا حصل الشك ، فدائما يكون الشك من ناحية إضافة الفعل وعلاقته بحيثية خارجة عن ذات الفعل الّذي يصدره المكلف وان كان ذلك الأمر فعلا آخر للمكلف.