وهذا بخلاف التزاحم الملاكي فانَّ التنافي فيه بين نفس الجعلين لاستحالة اجتماعهما في موضوع واحد مما يؤدي إلى التكاذب ووقوع التعارض بين دليل كل منهما مع دليل الاخر ، كما انَّ من وظيفة المولى هنا أَنْ يبذل عنايته في ترجيح أقوى المقتضيين على أضعفهما لأنَّ تشخيص مقتضيات الحكم ومبادئه الداعية للمولى إلى جعل الحكم من وظيفة المولى لا العبد كما هو واضح.
وبعد أَنْ اتضح الفرق بين التزاحم الملاكي والتزاحم في مقام الامتثال يقع البحث في جريان أحكام كل من باب التزاحم وباب التعارض في المقام ، فنقول :
امّا مرجحات باب التزاحم فكانت عبارة عن تقديم الأهم على المهم وتقديم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية وتقديم ما ليس له بدل على ما له بدل ، فلا بدَّ من ملاحظة انَّ هذه المرجحات الثلاثة هل تجري في المقام إذا أحرز شيئاً منها في أحد الملاكين دون الاخر أم لا؟.
الصحيح هو التفصيل بين صورتين :
الصورة الأولى ـ أَنْ يعلم من خارج دليلي الحكمين بإجماع أو نحوه انَّ أحد الحكمين محفوظ ملاكه في مورد الاجتماع وانه أهم أو غير مشروط بالقدرة الشرعية أو ليس له بدل بخلاف الاخر.
الصورة الثانية ـ أَنْ يثبت الملاك المرجح بدلالة من نفس دليل أحد الحكمين ولو بأحد التقريبين الذين تقدما عن المحقق الأصفهاني ( قده ) ففي الصورة الأولى يثبت الترجيح لا محالة ، لأنَّ ثبوت الملاك الأهم أو الّذي ليس له بدل أو الّذي ليس مشروطاً بالقدرة الشرعية معلوم من الخارج فيكون مقتضية ثابتا والمانع عنه مفقوداً ، إذ المانع انما هو دليل الحكم الاخر وهو معلوم البطلان في المقام بحسب الفرض.
وامّا في الصورة الثانية الّذي يثبت الملاك فيها بنفس دليل الحكم فيقع التعارض بينهما لا محالة ، لأنَّ دليل الحكم الاخر سوف يدل بالالتزام على نفي أصل ملاك الحكم الأول ولو فرض العلم من الخارج بأنه لو كان ثابتاً لكان أرجح ، وهذا يعني وقوع التعارض بين الدليلين في إثبات الملاك أيضاً.