وفي هذه الصورة قد يستشكل بأنَّ أصالة الجد هنا في الدليل المجمل معارضة بأصالة الحقيقة ، إذ كما انَّ ظاهر حال المتكلم انَّ كلامه ليس فارغاً وهزلاً كذلك ظاهره انه يستعمل اللفظ في معناه الحقيقي الموضوع له وفي المقام يعلم بعد مجيء الدليل الهادم انثلام أحد هذين الظهورين فيقع التعارض بينهما.
ولكن هذا الإشكال غير تام فيما إذا كان الدليل الهادم منفصلاً ، لأنَّ كلا من الظهورين الحاليين المذكورين يكون منعقداً في الدليل المجمل إِلاَّ انه يعلم بكذب أحدهما ، ولكن حيث انه لا أثر لحجية الظهور الثاني منهما إِلاَّ المعارضة وإسقاط الظهور الأول عن الحجية لأنه يعلم بعدم جدية المعنى الحقيقي على كل حال فلا يكون حجة لأن العقلاء انما يبنون على أصالة الحقيقة لإثبات المراد لا في نفسه كما لا يخفى.
وامّا إذا كان الدليل الهادم متصلاً بالدليل المجمل وكان المورد بحسب مناسبات الحكم وخصوصياته مما يحتمل في شأنه التقية وعدم الجد فسوف يجمل الكلام ويتردد بين كونه صادراً تقية أو أَن يراد به معنى ينسجم مع الدليل الهادم ، ولا يجدي في مثله ما تقدم من عدم جريان أصالة الحقيقة لعدم ترتب أثر عليه فانَّ هذا انَّما ينفع في مورد انفصال الدليل الهادم وامّا في مورد الاتصال الّذي هو المفروض في المقام فلا ينعقد الظهور الحالي في الجدية وعدم التقية حتى يكون حجة.
وبهذا ينتهي ما أردنا إيراده من مباحث الألفاظ وبه ينتهي الجزء الثالث من مباحث الدليل اللفظي ؛ والحمد لله أولا وآخراً وصلّى الله على محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.