هذه ثلاثة أجوبة يمكن أَنْ يُجاب بها عن الاعتراض المذكور على المسلك الأول في مقدمات الحكمة.

وهذا المسلك تام وصحيح وبه تظهر النكتة فيما نقوله دائماً من انَّ الإطلاق الحكمي انما يرتبط بالمدلول التصديقي للكلام لا بالمدلول التصوري ، لأنه كما أوضحنا فرع الظهور الحالي السياقي المذكور وهو انما يعين المدلول التصديقي للكلام لأنه ـ كما سبق ـ عبارة عن ظهور حال المتكلم في انه بصدد بيان تمام ماله دخل في حكمه الجدي بكلامه والمدلول الالتزامي لهذا الظهور انَّ هذا المتكلم الّذي اقتصر في كلامه بما يدل على ذات الماهية ليس في مراده الجدي قيد زائد على ما دل عليه كلامه وهذا كما تراه إطلاق في مرحلة المراد الجدي للمتكلم مهما اخترنا من الأجوبة الثلاثة على الاعتراض الّذي سبق ذكره.

وهنا قد يقال بأن الوجدان قاض بان الإطلاق ثابت في مرحلة المدلول التصوري فاننا متى ما سمعنا ( أحلّ الله البيع ) مثلاً نجد انّ ما ينطبع في أذهاننا من كلمة ( البيع ) انما هي صورة ذهنية عن ماهية البيع من دون أَنْ يكون إلى جنبها صورة عن القيد ، إذاً فقد تصورنا الماهية من دون قيد وهو معنى الإطلاق ـ بناءً على ما اخترناه من انَّ الإطلاق عبارة عن عدم لحاظ القيد لا لحاظ عدم القيد ـ وهذا معناه انَّ كلمة ( البيع ) دلّت دلالة تصورية وبقطع النّظر عن مرحلة المراد الجدّي على الماهية المطلقة للبيع.

والجواب : انه لا إشكال في حصول الصورة المطلقة عن الماهية في ذهن السامع بناءً على ما نحن عليه من انَّ الإطلاق هو عدم لحاظ القيد. لكن هذا لا يعني انَّ هذه الصورة المطلقة قد حصلت بتأثير اللفظ بكلا عنصريها فانَّ العنصر الوجوديّ في هذه الصورة الّذي يساوق ذات الماهية لا شك في حصوله بتأثير اللفظ فهو إذاً مدلولٌ للّفظ لكن العنصر العدمي منها الّذي هو عبارة عن عدم القيد غير حاصل بتأثير اللفظ بل انما هو أثر تكويني لعدم وجود ما يدل على القيد ضرورة انَّ ( عدم الشيء معلول لعدم علّته ) فعدم حصول صورة القيد في ذهن السامع معلول لعدم اشتمال كلام المتكلم على ما يوجب حصول ذلك في ذهنه. وبهذا يظهر انَّ الإطلاق الّذي نشعر به وجداناً عقيب اللفظ غير ناشئ من دلالة اللفظ عليه بل انما هو ناشئ من عدم دلالة اللفظ على

۴۵۵۱