وقد تقدم الحديث عن إبطال هذا المسلك مُفصّلاً.
الوجه الثالث ـ دعوى أنَّ الأداة موضوعة لاستيعاب ما ينطبق عليه المدخول عدا ما يستثنيه المتكلم ـ ولو بدليل منفصل ـ فيكون هذا قيداً ثابتاً في مقام الوضع ، بأَنْ يكون الواضع قد استثنى عن دلالة أداة العموم على الاستيعاب ما يخرج عنه بالمخصص.
وهذا الوجه واضح الفساد إذ يرد عليه : مضافا إلى بداهة عدم وضع أدوات العموم لمثل هذا المعنى الغريب المصطنع ،(١) مناقشات عديدة أهمّها :
انَّه لو أُريد بما عدا ما يستثنيه المتكلم واقع ما يستثنيه ولو لم يصل لزم الإجمال في العمومات كلَّما احتمل وجود استثناء واقعي ، لأنَّه تمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية له ، ولا يمكن التمسك بأصالة عدم المخصص لأنّها بملاك حجية الظهور وقد انثلم بحسب الفرض ، وإِنْ أُريد ما يستثنيه بشرط وصوله إلي المكلفين فإِنْ اشترط وصوله إلى الجميع لزم عدم حجية المخصص حين وصوله إلى البعض فقط ، وإِنْ اشترط وصوله إلى بعض لزم الإجمال في موارد احتمال وجود مخصص وأصل إلى البعض ، وإِنْ اشترط وصول المخصص إلى كل مكلف شرطا في ارتفاع العموم في حقه ، فمن الواضح انَّه لا يوجد هناك مرادات متعددة بعدد المكلفين العالمين والجاهلين من الخطاب الواحد بل كل خطاب يتضمن مرادا واحدا امّا العام أو الخاصّ ، فاختلاف المكلفين في العلم والجهل بالخصوص لا يمكن أَنْ يكون مؤثراً في تحديد مراد المتكلم وانّما يعقل أَنْ يكون دخيلا في الحجية والكلام بعد في نكتة الحجية.
ثمَّ أنَّ هذه المحاولة بتقريباتها المختلفة لو تمت فهي تفي بعلاج المشكلة بكلتا طرحتيها المتقدمتين. لأنّها تثبت أنَّ تمام الظهور من أول الأمر ينعقد بمقدار الباقي بحيث يكون هو المعنى الحقيقي للفظ وكبرى حجية الظهور مما لا إشكال فيها ولا نزاع في هذا البحث ، فلا يبقى وجه للتشكيك في الحجية ، كما لا يبقى تساؤل عن نكتة الحجية وملاكها إذ يكون التخصيص على أساس من هذه المحاولة من التخصص دائما.
__________________
(١) ويلزم منه ربط المدلول الوضعي التصوري ـ بناءً على ما هو التحقيق ـ بقيد تصديقي بحيث يبقى المدلول التصوري مراعى وهو مستحيل بناءً على المبنى المختار في حقيقة الوضع.