فنقول : لو افترضنا انَّ المكلف كان يعلم بأنَّ العبادة غير مأمور بها أصلاً فتسرَّع وأتى بها بقصد انها مأمور بها فلا إشكال في وقوع العبادة باطلة ، لا على أساس حرمة التشريع بل على أساس انَّ المفروض عدم تعلق الأمر بها في نظر هذا المكلف ليتقرب بها بقطع النّظر عن انَّ المكلف يأتي بها على نحو التشريع أولا ، فعدم تعلق الأمر لا يكون لأجل مزاحمة الحرمة التشريعية له كما هو واضح ، فيبطل العمل بالقصور الذاتي فيه.
وامّا لو افترض انَّ المكلف تسرع في مقام الإتيان بالعبادة من دون العلم بأنها غير مأمور بها رأساً ، بل كان يشك مثلا في انها مأمور بها أو لا فأتى بها بقصد انها مأمور بها من قبل الشارع ، فائضاً تقع العبادة باطلة لكن لا على أساس القصور الذاتي فيها بل على أساس انه أتى بها بقصد التشريع ، وتقريب ذلك يكون بأحد وجوه عديدة :
الوجه الأول ـ أَنْ يقال بأنَّ حرمة التشريع لا تقف على الإسناد القلبي بل تنبسط على الفعل الخارجي ـ كما هو الصحيح ـ لأنَّ التشريع يكون وجهاً وعنواناً للعمل فيحرم إذا حرم هذا العنوان ، فإذا تعلقت الحرمة بالعبادة فيصير حالها حال الحرمة الذاتيّة فتوجب البطلان بالبراهين السبعة المتقدمة.
الوجه الثاني ـ أَنْ يسلّم بأنَّ الحرمة تقف على نفس القصد والإسناد ولا تنبسط على العمل الخارجي ، لكن يُقال : انَّ حرمة التشريع تكفي لجعل القصد المحرك للعمل قصداً غير إلهي محرما ، ومعه لا يمكن أَنْ يكون مقرباً ، فانَّ القصد انما يمكن أَنْ يكون مقربا لو كان محبوباً للشارع دون ما إذا كان مبغوضاً.
فكم فرق بين الحرمة التشريعية وبين الحرمة الذاتيّة فانّه في الحرمة الذاتيّة كان مصب الحرمة والبغض العمل فكان بالإمكان أَنْ يقرب بقصد إلهي قد يتفق وجوده ، وامّا في الحرمة التشريعية فنفس القصد المحرك في العمل يكون قصداً شيطانياً فلا يمكن التقرب على أساسه.
الوجه الثالث ـ انه لو سلّمنا عدم تعلق الحرمة الشرعية لا بالفعل الخارجي ولا بنفس الإسناد والقصد بأَنْ يفترض انَّ قبح التشريع يكون من باب قبح المعصية والتجري الّذي يكون في طول حق المولى فلا يمكن أَنْ يكون موجباً لحكم شرعي لو سلَّمنا هذا فلا إشكال في قبح هذا الإسناد والقصد عقلاً لكونه موجباً لهدر حق المولى