ومن جميع ما ذكرنا تبين عدم انحفاظ المرتبة رأسا بين الغرض من الحكمين وبين نفس الحكمين وبين آثارهما ، فهما متنافيان نفسا ومن حيث المبدأ والمنتهى.
٤٣ ـ قوله « قده » : ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعي ... الخ (١).
يمكن إبداء الفرق بين ما نحن فيه وبين موارد النقض : أما في الشبهة البدويّة ، فبما عرفت في تحقيق حقيقة الحكم الحقيقي (٢) ، وأنه جعل ما يمكن أن يكون داعيا ، والخطاب الواقعي بما هو واقعي لا يمكن أن يكون داعيا بحيث لو مكن العبد نفسه عن امتثاله أمكن أن يكون ذلك الخطاب داعيا ، فالخطابات الواقعيّة ما لم تصل إلى المكلف بنحو من الوصول ولو بالحجّة الشرعيّة أو الأمر الاحتياطي لا يعقل أن تتصف بكونها باعثا وداعيا ، أو زاجرا وناهيا ، وبهذا ترتفع المناقضة والمضادة بين الأحكام الواقعيّة ومفاد الأصول الشرعيّة.
ومنه علم أن عدم فعلية الحكم الواقعي المجهول ليس من جهة الاستكشاف من أدلة الأصول ، بل مطابق للقاعدة الحاكمة بدوران الفعليّة مدار الوصول.
وأما الشبهة الغير المحصورة ، فلما سيجيء (٣) إن شاء الله تعالى أن القدر المتيقن من موردها ما إذا لزم من الاحتياط فيها عسر مخل بالنظام أو كان بعض أطرافها خارجا من مورد الابتلاء كما هو كذلك غالبا ، وعدم فعليّة الحكم فيهما عقلي ، بداهة عدم موقع للبعث والزجر الحقيقيين مع لزوم اختلال النظام أو خروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء ، فلا علم إجمالي بالحكم الفعلي حتى
__________________
(١) كفاية الأصول / ٢٧٢.
(٢) التعليقة ٣٠.
(٣) نهاية الدراية ٤ : التعليقة ٨١.