ثم اعلم أن لازم كون العبادة بنفسها أو المعرفة كذلك غاية لخلق الجنّ والإنس أن تكون الغاية ضرورة الحصول لا ضروريّة التحصيل والكلام في الثانية مع أن الأولى غير مترتّبة أيضا إلا بالرجوع إلى العبادة الذاتيّة والمعرفة بمعنى التجلي الأفعالي وهو خلف.

ويندفع الإشكال بأن المراد حصول المعرفة والعبادة تسبيبا وتشريعا لا تكوينا كما دلت عليه الروايات الواردة من أهل بيت الوحي والتنزيل سلام الله عليهم ، فعن الصادق (١) عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال عليه السلام خلقهم ليأمرهم بالعبادة قيل قوله تعالى ( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) قال : خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم وفي تفسير علي بن إبراهيم القمي (٢) رحمه الله قال خلقهم للامر والنهي والتكليف وليست خلقة جبر أن يعبدوه ولكن خلقة اختيار ليختبرهم بالأمر والنّهي ومن يطع الله ومن يعصي.

وعليه فالغاية بهذا المعنى ضرورية الحصول ، ضرورة وقوع التشريع والتسبيب إلى إيجاد العبادة بالاختيار ، ولا منافاة بين تشريع المستحبات وضرورية وقوعه ممن شأنه الإرشاد إلى ما يوجب استكمال نفوس العباد بالكمالات اللازمة أو المندوبة.

وليعلم أن ما اشتهر من تفسير العبادة بالمعرفة إمّا بإرادتها منها أو بكونها غاية لها مأخوذ من تفاسير العامّة ، وإلا فما في تفاسير الخاصّة عن أهل بيت الوحي وحملة علم الكتاب هو ما نقلناه هنا وإن كانت المعرفة غاية للعبادة عقلا بل نقلا إلا أنّه لا دخل له بتفسير الآية فافهم ولا تغفل.

__________________

(١) علل الشرائع / ١٣.

(٢) تفسير علي بن إبراهيم ٢ / ٣٣١. لكن بتغيير في عبارة الرواية فراجع.

۴۴۰۱