العبادة أخرى ـ لا وجوب المعرفة بقول مطلق فضلا عن وجوب المعرفة السابقة على العبادة بنصّ هذه الآية.
ومنه يعلم أن المعرفة إذا كانت مطلقة فالمراد منها المعرفة الحاصلة من العبادة لا المعرفة في نفسها ولو مع قطع النظر عن العبادة. وهذه أيضا غير واجبة بقول مطلق.
وأمّا كيفيّة تصور المعرفة المطلقة من عبادته تعالى فلان العبادات كما مر سابقا (١) توجب صقالة مرآة النّفس بتكرّرها ، فيتجلّى المعارف وصور حقائق الأشياء كلّها فيها بمقدار صفاء المادّة وقبولها لإفاضة الصّور العلميّة من واهب الصّور.
وأما التقريب الثاني فلان المعرفة وإن كانت بنفسها غاية للخلق لا أنها من حيث كونها غاية للعبادة ، إلاّ أن من البديهي أن غاية خلق الخلق ليست المعرفة بذلك المقدار اللازم في باب الخلود وجودا وعدما ، كيف وإلا لزم في تشريع الشرائع والأحكام الاقتصار على الالزام بذلك المقدار ، بل المعارف بمراتبها سواء حصلت بمقدّمات برهانيّة أو بغيرها أو بالمواظبة على الطّاعات كلها غاية مقصودة ومتعلّقة للغرض على التفصيل المتقدم.
فالآية بناء على هذا التقريب مسوقة لبيان أن المهمّ في نظره تعالى من خلق العباد حصول المعرفة منهم بمراتبها كما قيل : إن الأعمال مقدّمة للأحوال وإن الأحوال مقدمة للمعارف لأن الباقي في النشأة الآخرة هي النفس بما لها من الهيئات النورانيّة أو الظلمانيّة والحركات الأينيّة والوضعيّة والألفاظ الغير القارة لا قرار لها في هذه الدار فضلا عن تلك الدار.
وعليه فلا دلالة للآية على وجوب خصوص معرفة كما لا دلالة على وجوب عمومها.
__________________
(١) في التعليقة ١٤٥.