ولذا خصها بالإنس والجنّ ، وإلا فتلك العبادة الذاتيّة والتّجلي الأفعالي لا يختصّ بموجود دون موجود فظاهرها ما يختصّ بمورد التّكليف من ذوى العقول.

وعليه فالمعرفة التي هي غاية الخلق : إمّا المعرفة الحاصلة من العبادة بأن يراد من الآية ليعبدون حتى يعرفون كقوله تعالى : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (١).

وأمّا المعرفة السابقة على العبادة بأن يكون المراد من قوله تعالى : ( لِيَعْبُدُونِ ) ليعرفون بتعلق الإرادة الجديّة بالمعرفة إمّا بالتّجوز أو بنحو الكناية.

أما على الأول فحيث إنّ غاية الواجب واجبة ، فالمعرفة واجبة لكون العبادة واجبة.

وأمّا على الثاني فضروريّة خلق الجنّ والإنس تدلّ على ضرورية الغاية وهي المعرفة ، فتدل على وجوبها بهذه الملاحظة.

وفي كلا التّقريبين لإفادة وجوب المعرفة خصوصا أو عموما نظر : أمّا التقريب الأوّل ففيه أنّ الكلام في معرفة الله بمقدار الذي ينوط به الإيمان وهي المصحّحة للعبادة وهي مفروغ عنها هنا ، والمعرفة المنبعثة عن العبادة سواء كانت واجبة أو لا أجنبية عن المعرفة التي توجب حصولها الخلود في النعيم وعدمه الخلود في الجحيم. ثم إن المعرفة المنبعثة عن العبادة أيضا لها مرتبتان : فمرتبة منها وهي المقصودة من العبادة الواجبة مرتبة لزوميّة توجب فقدها العقاب لا الخلود لكفاية ذلك المقدار من المعرفة السابقة في النورانيّة والحياة الأبديّة.

ومرتبة منها وهي الحاصلة من العبادة المستحبّة مرتبة تورث درجة من القرب ولا يكون في ترك تحصيلها إلا عدم تلك الدرجة لا دركة من العقاب.

وتشريع الواجبات والمستحبّات العباديّة لهذه الغاية لا يقتضي ـ إلاّ وجوب مرتبة من المعرفة بالعبادة تارة واستحباب مرتبة أخرى منها بمرتبة من

__________________

(١) الحجر : ٩٩.

۴۴۰۱