الكمال إلى النقص ، وكما أن النّزول من الأعلى إلى الأدنى فالصّعود من الأدنى إلى الأعلى ، فكلّ نوع دان لأجل نوع عال ، فمن الهيولى إلى الصورة الامتداديّة الجوهريّة الجسميّة ومنها إلى النبات ومنه إلى الحيوان ومنه إلى الإنسان فكذا أفراد النوع الإنساني بسبب تفاوت نفوسه في الاستكمال العقلانى كالأنواع المختلفة فإفاضة الوجود على هذه المختلفات لأجل وجود النوع الكامل منه.
فالإنسان الكامل في كل ساعة وآن هي الغاية القصوى من إفاضة الوجود على جميع الأكوان ومقتضى قاعدة العلّية والمعلوليّة عدم بقاء سائر الأكوان بفرض عدم بقاء الغاية المقصودة من وجودها ولذا ورد في غير واحد من الأخبار أن الأرض لو بقيت بلا إمام لساخت أي لانخسفت. هذا من حيث الوساطة بنحو العلّة الغائيّة.
وأما بنحو العلّة الفاعليّة أي فاعل ما به الوجود لا ما منه الوجود ، فلما تقرّر في محلّه من وساطة العوالم الطّوليّة من الفواعل الجبروتيّة والملكوتيّة لعالم الملك والطّبيعة بمقتضى قاعدة الإمكان الأشرف ، ومن انتهاء كل فاعل عقليّ ونفسي إلى ما يحاذيه في سلسلة الصعود.
فكل فاعل في البدايات له غاية في النهايات ويتّحد ذو الغاية بالغاية عند انتهاء الدّائرة واتّصال قوس الصعود بقوس النزول.
فالإنسان الكامل المحمّدي صلّى الله عليه وآله في هذه الدائرة العظيمة وغيره من النّفوس القدسيّة في سائر الدوائر بلحاظ اتحاده بالفواعل العالية واسطة في الإفاضة بروحانيّتها ونورانيّتها ، فالالتزام بعدم ما ينتهي إليه الدائرة التزام بعدم ما تبتدئ به ، والالتزام بعدمه التزام بعدم فاعل ما به الوجود فيوجب الالتزام بعدم سائر العوالم التي هي في طول هذا العالم. وبقيّة الكلام في محلّه.
ومنه يظهر أن العمدة في وجوب وجود الحجّة عجّل الله فرجه انتظام نظام التكوين بوجوده المقدّس وإن لم ينتفع بعلومه ومعارفه وأخلاقه.