ولعلّه المراد ممّا ورد عنه عجّل الله فرجه من أن الانتفاع به في غيبته كالانتفاع بالشّمس مع استتارها بالسحاب عن الحسّ ، فكما أن السحاب لا يمنع إلا عن رؤية جرمها مع ثبوت تأثيرها في السّفليّات ، كذلك شمس فلك الوجود وإن غاب عن الحسّ لكنّه له التأثير في نظام التكوين ، وإلاّ فعدم انتفاع العموم بعلومه بشخصه مما لا ينبغي إنكاره.
ثم إنه لو لم نقل بهذه المرتبة وقلنا بأن نصب الإمام لمجرد تبليغ الأحكام فغيبة الإمام عليه السلام لا تنافي وجوب نصبه على الله تعالى أيضا.
بيانه أن جعل التّكاليف وإرسال الرّسل ونصب الحجج عليهم السلام لإخراج الموادّ المستعدّة للسعادة الدائميّة والشقاوة الأبديّة إلى مرحلة الفعليّة وحقيقة السعادة بالإقبال على الله تعالى بالقيام بوظائف العبوديّة وحقيقة الشقاوة بالإعراض عن الله تعالى بعدم القيام بوظائف العبوديّة وهما معنيان متقومان بالاختيار وانبعاث الفعل والترك عن مقام القلب.
فاللازم في هذا الباب جعل ما يمكن أن يكون داعيا وباعثا أو زاجرا وناهيا بالإمكان الذّاتي والوقوعي وإن لم يحصل الانبعاث أو الانزجار في الخارج بسوء الاختيار ، وكذا بعث الرسول ونصب الإمام أيضا حيث إنه مقدمة لمثل هذا التكليف فهو أيضا بهذه المثابة ، فاللازم بعث من يمكن تعلّم التّكاليف منه وكذا نصب من يكون كذلك.
فسدّ باب التعلّم ووصول الحكم عادة بسوء الاختيار كما لا يبطل حقيقة التكليف إذا كان بمثابة بحيث لو تفحّص عنه لوصل كذلك لا يبطل نبوّة النبيّ وإمامة الإمام عليه السلام.
ومجرّد علمه تعالى بعدم امتثال المكلّف للتكليف أو عدم الانقياد للنبيّ صلّى الله عليه وآله أو للإمام عليه السلام لا يوجب لغويّة الجعل أو البعث أو النصب ، وذلك لأن آثار السّعادة والشقاوة ولوازمها تابعة لفعليّة السعادة والشقاوة