لكنّك عرفت في هذا المبحث وفي المباحث المتقدمة أن لا بعث من العقل نحو تركه ودفعه ، ولا يندرج مثله تحت قاعدة التّحسين والتّقبيح العقليّين.
نعم كل ذي شعور بالجبلّة والطبع لا يقدم على العقاب مقطوعا كان أو محتملا ومثله يكفى في دعوته نحو تحصيل المعرفة.
إلاّ أنّه حيث لا يتم ذلك إلاّ بعدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان فربما يفترق تحصيل معرفة الله تعالى عن تحصيل معرفة النبي صلّى الله عليه وآله أو الوصي عليه السلام ، فان عدم جريان القاعدة بلحاظ أنّها لا تجري إلاّ بعد الفحص الموجب لحصول المعرفة لوجود أسبابها خارجا المقتضية لحصولها ، وإنما لا تجري قبل الفحص عقلا لما مرّ وسيجيء إن شاء الله تعالى في محلّه (١) من أن الاقتحام في الفعل والترك ـ مع عدم البحث والفحص عن أمر المولى ونهيه اللذين لم يعلما عادة إلاّ بالفحص والبحث عنهما مع علمه بأنه غير مهمل ـ خروج عن زيّ الرقيّة ورسم العبوديّة ، وهو ظلم على المولى ، فيستحق به العقاب.
وهذا في معرفة النبي صلّى الله عليه وآله أو الوصي لا غبار عليه.
وأمّا في معرفته تعالى فمشكل إذ بعد لم يثبت مولويّة لأحد عليه حتى يقال : إنه بعدم الفحص عن معرفته ظالم عليه.
إلا أن يقال : إن احتمال وجود المولى وإعمال المولويّة منه يصحّح احتمال العقاب نظرا إلى أن الحجّة الواقعيّة على ثبوت المولويّة وإعمالها إذا كانت بحيث لو تفحّص عنها لظفر بها يكفى في تنجيز الواقع واستحقاق العقاب كما هو أحد الطريقين في لزوم الفحص.
نعم فيه محذور آخر ، وهو أن المفروض أنه لا دليل عقلي على وجوب تحصيل المعرفة إلا قاعدة دفع الضرر المحتمل ، وهذه القاعدة متفرعة على وجود
__________________
(١) نهاية الدارية / ٤ التعليقة ١٢٥.