بخلاف ما إذا كان الداعي من قبل المولى موجودا سواء كان بما هو مولى وسيدا أو بما هو عاقل ومرشد ، فانه مع وجود الداعي من قبله يستحيل جعل داع آخر ، فانه يستحيل مع انقياده لمولاه أن يؤثّر البعث مع وجود الدّاعي من قبل مولاه ولو منه بما هو عاقل.
ولا يعقل التفكيك بين انقياده لمولاه بما هو مولى وبما هو عاقل حتى يبقى مجال لتأثير البعث مولوي وإلا لأمكن أن يتصور في جعل بعثين حقيقيّين بإمكان انقياده لأحدهما بخصوصه دون الآخر.
مع أن عدم انقياده لبعث خاص لا يصحّح بعثا آخر ، لأن ملاك صحّة البعث إمكان الداعي بإمكان الانقياد ، وهو محفوظ مع عدم فعليّة الانقياد.
وحينئذ لا يعقل جعل داع بالإمكان بعد وجود داع آخر من قبله بالإمكان حيث لا يمكن خروجهما من الإمكان إلى الفعليّة الحقيقيّة ، لاستحالة انبعاث واحد من باعثين حقيقيين ، فتدبر.
فاتضح من جميع ما ذكرنا أن ما يستقل العقل بحسنه أو قبحه وإن لم يمكن جعل الحكم من الشارع على خلافه ، لكنه لا يعقل أن يحكم مولويّا على وفاقه أيضا ، بل يحكم بحسنه أو قبحه على حد سائر العقلاء.
وهذا فيما كان كالظلم والعدل بذاتهما محكوما بالحسن والقبح واضح.
وأما فيما كان كالصدق والكذب حسنا أو قبيحا بالعرض ، فالحكم المولوي بالإضافة إلى الصدق والكذب بذاتهما أي لو خلّيا وطبعهما أو بعنوان معلوم الحسن والقبح عند العقلاء فكذلك ، لأن الصدق والكذب من حيث نفسهما عدل في القول وجور في القول.
وقد عرفت حال العدل والجور.
وكذا الصدق المعنون بعنوان اهلاك المؤمن ظلم عليه ، والكذب المنجي له إحسان إليه ، فحالهما حال العدل والظلم.