وحيث عرفت حقيقة التحسين والتقبيح العقليين.

فاعلم أن المراد بكونهما ذاتيّين أو عرضيين ليس كونهما ذاتيين بالمعنى المذكور في باب الكليات الخمس ولا كونهما ذاتيّين بالمعنى المسطور في كتاب البرهان كما بيّنا وجهها في مبحث التجري مفصلا (١).

بل بمعنى عدم الحاجة إلى الواسطة في العروض ، والحاجة إليها ، فمثل العدل والإحسان والظلم والعدوان بنفسهما لا من حيث اندراجهما تحت عنوان آخر محكومان بالحسن والقبح ، بخلاف الصدق والكذب فانهما مع حفظ عنوانهما يوصفان بخلافهما.

نعم كونهما ذاتيّين لهما بمعنى آخر ، وهو أنهما لو خلّيا وطبعهما يوصفان بهما ، لاندراج الصدق تحت العدل في القول واندراج الكذب تحت الجور في القول ، دون غيرهما مما لا يتصف بشيء لو خلى ونفسه ، فراجع مبحث التجري.

وهذا بناء على كون الحسن والقبح من قبيل الحكم بالإضافة إلى موضوعه واضح ، فكيف يعقل أن يكون الحكم المجعول منتزعا عن مرتبة ذات موضوعه.

وأما بناء على أنهما من الأمور الواقعيّة ، فهما من قبيل العرض الغير المفارق والعرض المفارق والعرض مطلقا لا يكون ذاتيّا لموضوعه كما هو واضح.

كما أنا ذكرنا غير مرة أن المراد من العليّة والاقتضاء هو اقتضاء الموضوع لحكمه بنحو اقتضاء الغاية لذي الغاية ، لا بنحو اقتضاء السبب لمسبّبه.

بداهة أن الحكم لا يترشح من موضوعه ، بل السبب الفاعلي له هو الحاكم ، وإنما الموضوع لمكان الفائدة المترتّبة على وجوده يدعو الحاكم إلى الحكم عليه : فبعض الموضوعات حيث إنه يترتب عليها بنفسها مصلحة عامة أو مفسدة

__________________

(١) التعليقة ١٠.

۴۴۰۱