وظهر ممّا تقدّم امور :
أحدها : أنّ غاية الفعل ـ وهي الّتي يتعلّق بها اقتضاء الفاعل بالأصالة ولنفسه ـ قد تتّحد مع فعله ـ بمعنى كون الغاية هي حقيقة الفعل المتقرّرة في مرتبة وجود الفاعل ـ ومرجعه إلى اتّحاد الفاعل والغاية ، كما إذا كان فعل الفاعل موجودا مجرّدا في ذاته وفعله تامّ الفعليّة في نفسه مرادا لنفسه ؛ وقد لا تتّحد مع الفعل ، بل يختلفان ، كما فيما إذا كان الفعل من قبيل الحركات العرضيّة ، أو من الجواهر الّتي لها نوع تعلّق بالمادّة كالنفوس (١) والصور المنطبعة في الموادّ (٢) ، فإنّ الفاعل يتوصّل إلى هذا القبيل من الغايات بالتحريك ، والحركة غير مطلوبة لنفسها ، فتتحقّق الحركة وتترتّب عليها الغاية ، سواء كانت الغاية راجعة إلى الفاعل كمن يحزنه ضرّ ضرير فيرفعه ابتغاء للفرح ، أو راجعة إلى المادّة كمن يتحرّك إلى وضع يصلح حاله ، أو راجعة إلى غيرهما كمن يكرم يتيما ليفرح.
وثانيها : أنّ الغاية معلومة للفواعل العلميّة قبل الفعل ، وإن كانت متحقّقة بعده مترتّبة عليه. وذلك أنّ هذا القبيل من الفواعل مريدة لفعلها ، والإرادة ـ كيفما كانت ـ مسبوقة بالعلم ، فإن كان هناك تحريك كانت الحركة مرادة لأجل الغاية ، فالغاية مرادة للفاعل قبل الفعل ، وإن لم يكن هناك تحريك ، وكان الفعل هو الغاية ، فإرادته والعلم به إرادة للغاية وعلم بها.
وأمّا قولهم (٣) : «إنّ الغاية قبل الفعل تصوّرا وبعده وجودا» فإنّما يتمّ في غير غاية الطبائع ، لفقدانها العلم (٤).
__________________
ـ نهاية الحركة ـ مترتّبة على الفعل ومتأخّرة عنه ، فلا يعقل أن تكون مؤثّرة في وجود الفعل المتقدّم عليه ، بل الفعل والحركة من مقدّمات حصولها ، والفاعل المتقدّم على الفعل والحركة مؤثّر فيها. ومن هنا يظهر أنّ علّيّة الغاية للفعل المتقدّم عليها غير معقول.
(١) الّتي تعلّقت بالمادّة ذاتا وفعلا.
(٢) الّتي تعلّقت بالمادّة ذاتا وفعلا.
(٣) والقائل الشيخ الرئيس. فراجع الفصل الخامس من المقالة السادسة من إلهيّات الشفاء ، والتعليقات : ١٢٨ ، والنجاة : ٢١٢.
(٤) هكذا اعترض عليه الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٥٤٠.