الاتّحاد ، ترتبط به (١) الغاية بالمحرّك كمثل الحركة ، كما ترتبط بالمتحرّك كمثل الحركة.
ثمّ إنّ المحرّك إذا كان هو الطبيعة (٢) وحرّكت الجسم (٣) بشيء من الحركات العرضيّة ـ الوضعيّة والكيفيّة والكمّيّة والأينيّة ـ مستكملا بها الجسم كانت الغاية هو التمام الّذي يتوجّه إليه المتحرّك بحركته وتطلبه الطبيعة المحرّكة بتحريكها. ولو لا الغاية لم يكن من المحرّك تحريك ولا من المتحرّك حركة (٤). فالجسم المتحرّك مثلا من وضع إلى وضع إنّما يريد الوضع الثاني ، فيتوجّه إليه بالخروج من الوضع الأوّل إلى وضع سيّال يستبدل به فردا آنيّا إلى فرد مثله ، حتّى يستقرّ على وضع ثابت غير متغيّر فيثبت عليه ، وهو التمام المطلوب لنفسه ، والمحرّك أيضا يطلب ذلك.
وإذا كان المحرّك فاعلا علميّا لعلمه دخل في فعله (٥) كالنفوس الحيوانيّة
__________________
(١) أي : بالاتّحاد بينهما.
(٢) أي : طبيعة الشيء ، وهي الصورة النوعيّة للجسم.
(٣) الّذي هو مادّتها.
(٤) ضرورة أنّها من أركان تحقّق الحركة.
وأورد عليه بعض المحشّين من تلامذة المصنّف رحمهالله بأنّ في كلامه خلط بين الغاية والجهة ، فإنّ ما لا يتمّ بدونه حركة هي الجهة ، سواء انتهت إلى غاية أم لم ينته.
وأجاب عنه شيخنا الاستاذ الجواديّ الآمليّ بما حاصله : أنّ الحركة لم تنحصر في الحركة الأينيّة ، ولا يكون المراد من «الجهة» هاهنا الجهة الأينيّة ، بل المراد منه هو الجهة الفلسفيّة ، وهي المسافة الخاصّة الّتي بينها وبين الحركة ارتباط وجوديّ. «رحيق مختوم ، بخش چهارم از جلد دوم : ٤١١».
ولا يخفى أنّ الجهة الفلسفيّة بالمعنى المذكور نفس الغاية الّتي يتوجّه إليه المتحرّك بحركته. وهذا غير ما رامه المحشّيّ المعترض ، فإنّه فرّق بينهما بأنّ الغاية ما يتوجّه إليه المتحرّك ويقصده ، وأمّا الجهة فهي ما ينتهي إليه المتحرّك لا محالة وإن لم يتوجّه إليه ولم يقصده ، فما لا يتمّ بدونه الحركة هي الجهة لا الغاية.
(٥) وفي قوله : «لعلمه دخل في فعله» وجهان : (أحدهما) أن يكون وصفا بعد الوصف وتوضيحا لقوله : «علميّا» ؛ وعليه لا يكون الفاعل فاعلا علميّا إلّا إذا كان لعلمه دخل في فعله.
و (ثانيهما) أن يكون قيدا لقوله : «علميّا» ؛ وعليه فمعناه أنّ الفاعل العلميّ فيما إذا كان لعلمه دخل في فعله كانت الحركة بما لها من الغاية مرادة له.
والظاهر هو الأوّل ، كما يشعر به كلامه في الفصل السابع من هذه المرحلة.