بمعنى الاتّصاف والانتزاع من ذات الشيء من غير انفعال وتأثّر خارجيّ ـ كلوازم الماهيّات ـ فيجوز اجتماعهما.
والحجّة على ذلك أنّ القبول ـ بمعنى الانفعال والتأثّر ـ يلازم الفقدان ، والفعل يلازم الوجدان ، وهما جهتان متباينتان متدافعتنان ، لا تجتمعان في الواحد من حيث هو واحد. وأمّا لوازم الماهيّات مثلا ـ كزوجيّة الأربعة ـ فإنّ تمام الذات فيها لا يعقل خالية من لازمها حتّى يتصوّر فيها معنى الفقدان ، فالقبول فيها بمعنى مطلق الاتّصاف ، ولا ضير في ذلك.
واحتجّ للمشهور (١) من الامتناع مطلقا بوجهين (٢) :
أحدهما : أنّ الفعل والقبول أثران متغايران ، فلا يصدران عن الواحد من حيث هو واحد.
الثاني : أنّ نسبة القابل إلى مقبوله بالإمكان ، ونسبة الفاعل التامّ الفاعليّة إلى فعله بالوجوب. فلو كان شيء واحد فاعلا وقابلا لشيء كانت نسبته إلى ذلك بالإمكان والوجوب معا ، وهما متنافيان ، وتنافي اللوازم مستلزم لتنافي الملزومات (٣).
والحجّتان لو تمّتا لم تدلّا على أكثر من امتناع اجتماع الفعل والقبول ـ بمعنى
__________________
(١) هذا هو الصحيح ، بخلاف ما في النسخ : «واحتجّ المشهور».
(٢) وتعرّض لهما وللإجابة عليهما الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٥١٥.
(٣) قال المصنّف رحمهالله في تعليقته على الأسفار ٢ : ١٧٩ : «الأولى تبديل الوجوب والإمكان فعلا وقوّة ، وهما يلازمان الوجدان والفقدان ، وسوق البرهان هكذا : إنّ نسبة القابل إلى مقبوله بالقوّة ، وهي تستلزم فقدان القابل لمقبوله في نفسه ، ونسبة الفاعل إلى فعله بالفعل المستلزم لوجدانه حقيقة فعله وكمال وجوده ، ولو اتّحد الفاعل والقابل لكان الشيء في نفسه واجدا لأثره فاقدا له بعينه ، وهو محال.
وإنّما قلنا : «إنّ الأولى هو التبديل» لأنّ نسبة الوجوب انّما يتحقّق بين الشيء والعلّة التامّة ، وأمّا الفاعل الّذي هو إحدى العلل الأربع فلا نسلّم كون نسبة الفعل إليه وحده بالوجوب. اللهمّ إلّا في المعلولات الّتي ليس لها من العلل إلّا الفاعل ، كالمعلول المجرّد الّذي يكفي في صدوره إمكانه الذاتيّ ولا يحتاج من العلّة إلى أزيد من الفاعل الّذي هو بعينه غايته».