ما يفيد معناه. ومن المحال أن تتّصف الماهيّة بشأن المرجّح ، وإلّا لم تحتج إلى مرجّح ، أو يتّصف المرجّح بشأن الماهيّة ، وإلّا لزم الخلف (١). ومن المحال أيضا أن يتّحد الشأنان ، فالشأن الّذي هو القبول يلازم الفقدان ، والشأن الّذي هو الفعل يلازم الوجدان.

وهذا المعنى واضح في الحوادث الواقعة الّتي نشاهدها في نشأة المادّة ، فإنّ فيها عللا تحرّك المادّة نحو صور هي فاقدة لها ، فتقبلها وتتصوّر بها ، ولو كانت واجدة لها لم تكن لتقبلها وهي واجدة ، فالقبول يلازم الفقدان ، والّذي للعلل هو الفعل المناسب لذاتها الملازم للوجدان (٢).

فالحادث المادّيّ يحتاج في وجوده (٣) إلى علّة تفعله ، نسمّيها : «علّة فاعليّة» ، وإلى علّة تقبله ، ونسمّيها : «العلّة المادّيّة» (٤). وسيأتي (٥) إثبات أنّ في الوجود ماهيّات ممكنة مجرّدة عن المادّة ، وهي لإمكانها تحتاج إلى علّة مرجّحة ، ولتجرّدها مستغنية عن العلّة المادّيّة ، فلها أيضا علّة فاعليّة.

فلا غنى لوجود ممكن (٦) ـ سواء كان مادّيا أو مجرّدا ـ عن العلّة الفاعليّة. فمن رام قصر العلل في العلّة المادّيّة ونفي العلّة الفاعليّة فقد رام إثبات فعل لا فاعل له ، فاستسمن ذا ورم.

__________________

(١) فإنّ المرجّح لو اتّصف بالماهيّة يصير محدودا كسائر الماهيّات الموجودة ، وإذا صار كسائرها فلم يكن مرجّحا لها ، وإلّا لزم الترجيح بلا مرجّح ، وعدم كونه مرجّحا خلف.

(٢) فإنّ معطي الشيء لا يكون فاقدا له.

(٣) وفي النسخ : «يتوقّف في وجوده إلى». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) وفي إطلاق العلّة عليها نظر ، كما مرّ.

(٥) في الفصل الثالث من المرحلة الحادية عشرة.

(٦) قوله : «ممكن» وصف لوجود.

۳۳۶۱