فلو كان هناك موجود حقيقيّ دالّ على شيء دلالة حقيقيّة غير اعتباريّة ـ كالأثر الدالّ على المؤثّر والمعلول الدالّ بما فيه من الكمال الوجوديّ على ما في علّته من الكمال بنحو أعلى وأشرف ـ كان أحقّ بأن يسمّى «كلاما» لأصالة وجوده وقوّة دلالته.
ولو كان هناك موجود بسيط الذات من كلّ وجه ، له كلّ كمال في الوجود بنحو أعلى وأشرف ، يكشف بتفاصيل صفاته الّتي هي عين ذاته المقدّسة عن إجمال ذاته ، كالواجب تعالى ، فهو كلام يدلّ بذاته على ذاته ، والإجمال فيه عين التفصيل».
أقول : فيه تحليل الكلام وإرجاع حقيقة معناه إلى نحو من معنى القدرة ، فلا ضرورة تدعو إلى إفراده من القدرة ، على أنّ جميع المعاني الوجوديّة وإن كانت متوغلّة في المادّيّة محفوفة بالأعدام والنقائص يمكن أن تعود بالتحليل وحذف النقائص والأعدام إلى صفة من صفاته الذاتيّة.
فإن قلت : هذا جار في السمع والبصر ، فهما وجهان من وجوه العلم مع أنّهما افردا من القدرة وعدّا صفتين من الصفات الذاتيّة.
قلت : ذلك لورودهما في الكتاب (١) والسنّة (٢). وأمّا الكلام فلم يرد منه في الكتاب الكريم إلّا ما كان صفة للفعل (٣).
__________________
(١) كقوله تعالى : ﴿وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة : ٢٢٤. وقوله تعالى : ﴿فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة : ٢٢٧. وقوله تعالى : ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة : ٢٤٤. وقوله تعالى : ﴿وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾ البقرة : ٩٦.
(٢) عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : «لم يزل الله عزوجل ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصر ...» راجع اصول الكافي ١ : ١٤٣.
(٣) كقوله تعالى : ﴿وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً﴾ النساء : ١٦٤. وقوله تعالى : ﴿وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ الأعراف : ١٤٣.