وذهب جمع من المتكلّمين ـ وهم المعتزلة ومن تبعهم (١) ـ إلى أنّ الأفعال الاختياريّة مخلوقة للإنسان ، ليس للواجب تعالى فيها شأن ، بل الّذي له (٢) أن يقدر الإنسان على الفعل بأن يخلق له الأسباب الّتي يقدر بها على الفعل ، كالقوى والجوارح الّتي يتوصّل بها إلى الفعل باختياره الّذي يصحّح له الفعل والترك ، فله أن يترك الفعل ولو أراده الواجب تعالى ، وأن يأتي بالفعل ولو كرهه الواجب تعالى ، ولا صنع للواجب في فعله (٣). على أنّ الفعل لو كان مخلوقا للواجب تعالى كان هو الفاعل له دون الإنسان ، فلم يكن معنى لتكليفه بالأمر والنهي ، ولا للوعد والوعيد ، ولا لاستحقاق الثواب والعقاب على الطاعة والمعصية ، ولا فعل ولا ترك للانسان. على أنّ كونه تعالى فاعلا للأفعال الاختياريّة وفيها أنواع القبائح والشرور ـ كالكفر والجحود وأقسام المعاصي والذنوب ـ ينافي تنزّه ساحة العظمة والكبرياء عمّا لا يليق بها (٤).
ويدفعه : أنّ الأفعال الاختياريّة امور ممكنة ، وضرورة العقل قاضية أنّ الماهيّة الممكنة متساوية النسبة إلى الوجود والعدم ، لا تخرج من حاقّ الوسط إلى
__________________
(١) راجع المقالات والفرق : ١٣٨ ، والفرق بين الفرق : ٧٩ ، والفصل في الملل والنحل ١ : ٥٥ ـ ٥٦ ، ومقالات الإسلاميّين ١ : ٢٧٣ ، وشرح المواقف : ٥١٥ ـ ٥٢٠ ، وشرح المقاصد ٢ : ١٢٦ ، وكشف المراد : ٣٠٨ ـ ٣١٤ ، والشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة : ١٣١.
(٢) أي : للواجب تعالى.
(٣) والمعتزلة يلقبّون ب «المفوّضة» ، لأنّهم ذهبوا إلى أنّ الله فوّض الأفعال إلى المخلوقين. راجع عقائد الإماميّة : ٦٥.
(٤) واستدلّوا أيضا بالآيات الشريفة ، كقوله تعالى : ﴿مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ﴾ فصّلت : ٢٦ ، وقوله تعالى : ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾ النساء : ١٢٣ ، وقوله تعالى : ﴿فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ الكهف : ٢٩ ، وغيرها من الآيات الشريفة.
ولا يخفى ضعف الاستدلال بها ، فإنّها تعارض بالآيات الظاهرة في أنّ جميع الأفعّال مخلوق الله تعالى ، كقوله تعالى : ﴿اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ الرعد : ١٦ ، وقوله عزوجل : ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ النساء : ٧٨.