وبقاء إلى علّة توجب وجوده وتوجده واجبة بالذات أو منتهية إلى الواجب بالذات (١) ، وعلّة علّة الشيء علّة لذلك الشيء (٢) ، فما من شيء ممكن موجود سوى الواجب بالذات حتّى الأفعال الاختياريّة إلّا وهو فعل الواجب بالذات معلول له بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط (٣).

ومن طريق آخر (٤) : قد تبيّن في مباحث العلّة والمعلول (٥) أنّ وجود المعلول بالنسبة إلى العلّة وجود رابط غير مستقلّ متقوّم بوجود العلّة ، فالوجودات الإمكانية ـ كائنة ما كانت ـ روابط بالنسبة إلى وجود الواجب بالذات غير مستقلّة منه محاطة له بمعنى ما ليس بخارج (٦). فما في الوجود (٧) إلّا ذات واحدة مستقلّة ، بها تتقوّم (٨) هذه الروابط ولم تستقلّ (٩). فالذوات وما لها من الصفات والأفعال

__________________

(١) قوله : «واجبة بالذات أو منتهية إلى الواجب بالذات» وصف لقوله : «علّة». والأولى أن يقول : «فما من موجود ممكن إلّا وهو محتاج في وجوبه ووجوده حدوثا وبقاء إلى علّة واجبة بالذات أو منتهية إليه».

(٢) راجع الفصل السادس من المرحلة الرابعة.

(٣) والحاصل : أنّ الله تعالى يوجد القدرة والإرادة في العبد ، وتوجبان صدور الأفعال الاختياريّة. فالواجب بالذات فاعل بعيد للأفعال الاختياريّة ، والعبد فاعل قريب لها.

وهذه الطريقة منسوبة إلى إمام الحرمين وأبي الحسين البصريّ من العامّة ، وإلى الحكماء وخواصّ أصحابنا ـ كالمحقّق الطوسيّ ـ من الإماميّة. راجع الأسفار ٦ : ٣٧١.

(٤) وهذا الطريق منسوب إلى الراسخين في العلم. راجع الأسفار ٦ : ٣٧٢.

(٥) راجع الفصل الأوّل من المرحلة الثامنة.

(٦) لا بمعنى أنّها داخلة فيه كإحاطة الفلك بما في جوفه ، فإنّه تعالى داخل في الأشياء لا بالممازجة وخارج عنها لا بالمزايلة ، بل الوجودات محاطة له ، بمعنى أنّ وجودات الأشياء متقوّمة بوجود الواجب تعالى. قال صدر المتألّهين : «إنّ تلك الحقيقة الإلهيّة مع أنّها في غاية البساطة والأحديّة ينفذ نوره في أقطار السماوات والأرضين ، ولا ذرّة من ذرّات الأكوان الوجوديّة إلّا ونور الأنوار محيط بها قاهر عليها ، وهو قائم على كلّ نفس بما كسبت ، وهو مع كلّ شيء لا بمقارنة وغير كلّ شيء لا بمزايلة». الأسفار ٦ : ٣٧٣.

(٧) كلمة «ما» نافية. أي : فليس في الوجود.

(٨) وفي النسخ : «به تتقوّم» والصحيح ما أثبتناه.

(٩) وفي النسخ : «وتستقلّ» والصحيح ما أثبتناه ، فإنّه لا استقلال لغير الواجب بالحقيقة. ـ

۳۳۶۱