أنّ الأشياء أعمّ من المجرّدات والمادّيّات حاضرة بوجودها العينيّ له تعالى ، غير غائبة ولا محجوبة عنه ، وهو علمه التفصيليّ بالأشياء بعد الإيجاد ، [وأمّا قبل الإيحاد] (١) فله تعالى علم إجماليّ بها بتبع علمه بذاته.

وفيه أوّلا : أنّ قوله ب «حضور المادّيّات له تعالى» ممنوع ، فالمادّيّة لا تجامع الحضور (٢) على ما بيّن في مباحث العاقل والمعقول (٣). وثانيا : أنّ قصر العلم التفصيليّ بالأشياء في مرتبة وجوداتها يوجب خلوّ الذات المتعالية الفيّاضة لكلّ كمال تفصيليّ في الأشياء عن تفصيلها ، وهي وجود صرف جامع لكلّ كمال وجوديّ بنحو أعلى وأشرف.

الخامس : ما ينسب إلى الملطيّ (٤) أنّه تعالى يعلم العقل الأوّل ـ وهو الصادر الأوّل ـ بحضوره عنده ، ويعلم سائر الأشياء ممّا دون العقل الأوّل بارتسام صورها في العقل الأوّل.

وفيه : أنّه يرد عليه ما يرد على القول السابق ـ من لزوم خلوّ الذات المتعالية

__________________

(١) وما بين المعقوفتين ليس في النسخ.

(٢) ويردّه ما ذكره الحكيم السبزواريّ ـ تعليقا على الأسفار ٦ : ١٦٥ ـ حيث قال : «وإن سألت عن الحقّ فأقول : عدم كون هذه المادّيّات والظلمات أنوارا علميّة إنّما هي بالنسبة إلينا. وأمّا بالنسبة إلى المبادئ العالية سيّما بالنسبة إلى مبدأ المبادئ ، فهي علوم حضوريّة فعليّة ومعلومات بالذات ، وإن لم تكن هذه المرتبة من العلم في مرتبة العلم العنائيّ الذاتيّ. فحصولها للمادّة ينافي العلم فينا ، إذ لسنا محيطين فلسنا مدركين نالين لها. وأمّا بالنسبة إلى المحيط بالمادّة وما فيها فحضورها للمادّة حضور له ، إذ لم يشذ المادّة عن حيطته ، بل حضورها له بنحو أشدّ ، لأنّ لها حضورا للفاعل بالوجود ، لأنّ نسبة المعلول إلى فاعله بالوجوب».

(٣) راجع الفصل الأوّل من المرحلة الحادية عشرة.

(٤) أي : ثاليس الملطيّ ، فإنّه قال : «إنّ علمه بالعقل بحضور ذاته وعلمه بالأشياء زائدة عليها مطابقة لها قائمة بذات المعلول الأوّل لا بذاته». راجع الملل والنحل ج ٢ ص ٦٢. ونسب إليه في شرح المنظومة : ١٦٦ ، وشوارق الإلهام : ٥١٥.

وأمّا انكسيمانس الملطيّ فقال : «إنّ علمه تعالى بالأشياء انّما هو بصور زائدة على الأشياء مطابقة لها قائمة بذاته تعالى». كذا نقل عنه في شوارق الإلهام : ٥١٥ ، وشرح المنظومة : ١٦٦.

۳۳۶۱