وللباحثين في علمه تعالى اختلاف كثير حتّى أنكره بعضهم (١) من أصله ، وهو محجوج (٢) بما قام على ذلك من البرهان.
وللمثبتين مذاهب شتّى :
أحدها : أنّ له تعالى علما بذاته دون معلولاتها ، لأنّ الذات المتعالية أزليّة وكلّ معلول حادث (٣).
وفيه : أنّ العلم بالمعلول في الأزل لا يستوجب كونه موجودا في الأزل بوجوده الخاصّ به. على أنّه مبنيّ على انحصار العلم الحضوريّ في علم الشيء بنفسه ،
__________________
ـ وهذا الشهود الإشراقيّ المتعلّق بالمسموعات والمبصرات زائد على مطلق العلم بهما ولو على وجه كلّيّ كما في العلم الارتساميّ الكلّي ، فشهود المسموعات سمع وشهود المبصرات بصر ، فقد علمت ممّا ذكرنا أنّ سمعه وبصره ليسا بحيث يرجعان إلى مطلق العلم». الأسفار ٦ : ٤٢٢.
وأورد عليه المصنّف رحمهالله ـ تعليقا عليه ـ بما لفظه : «قد عرفت ممّا تقدّم أنّ هذا الشهود الإشراقيّ المتحقّق بحضور الموجودات بوجوداتها عنده تعالى غير منحصر في الكيفيّات المسموعة والمبصرة ، بل سائر الكيفيّات أعمّ من الملموسة والمشمومة والمذوقة وغيرها ، وكذلك الجواهر وسائر المقولات والامور الّتي لا تدخل تحت مقولة جميعا حاضرة عنده مشهودة له بالعلم الحضوريّ. بل قد عرفت أنّ علمه تعالى حضوريّ كلّه ولا سبيل إلى إثبات العلم الحصوليّ فيه تعالى. وعلى هذا فلا وجه لارجاع بصره وسمعه إلى الشهود الإشراقيّ والعلم الحضوريّ والقول بكونهما علمين مخصوصين زائدين على مطلق العلم ، لصحّة القول بأنّهما من مطلق العلم والمراد بهما العلم بالمبصرات والعلم بالمسموعات».
(١) وهو بعض الأقدمين من الفلاسفة على ما في الأسفار ٦ : ١٨٠ ، وشرح المنظومة : ١٦٤ ، والمباحث المشرقيّة ٢ : ٤٦٩ ـ ٤٧٥. وهم طائفتان : (الاولى) من نفى علمه تعالى. و (الثانية) من نفى علمه بغيره. قال المحقّق الطوسيّ في شرح رسالة مسألة العلم : ٢٧ : «وهذان المذهبان مذكوران في كتب المذاهب والآراء ، منقولان عنهم ـ أي القدماء ـ».
(٢) أي : مغلوب.
(٣) هذا القول منسوب إلى بعض الأقدمين من الفلاسفة كما مرّ ، فراجع الأسفار ٦ : ١٧٩ ـ ١٨٠ ، وشرح المنظومة : ١٦٤.
ونسبه الشهرستانيّ إلى هشام بن عمرو الفوطيّ وأبي بكر الأصمّ من أصحابه. راجع الملل والنحل ٢ : ٣١ و ٧٤.