قلت : هذا في الوجودات الممكنة ، وهي محدودة بحدود ماهويّة لا تتعدّاها ، فينتزع عدمها ممّا وراء حدودها (١). وهو المراد بقولهم : «كلّ ممكن فهو زوج تركيبيّ» (٢). وأمّا حقيقة الوجود المرسلة ـ الّتي هي الأصيلة لا أصيل غيرها ، فلا حدّ يحدّها ولا قيد يقيّدها ـ فهي بسيطة صرفة تمانع العدم وتناقضه بالذات ، وهو الوجوب بالذات.

وقرّر صدر المتألّهين قدس‌سره البرهان على وجه آخر ، حيث قال : «وتقريره أنّ الوجود ـ كما مرّ ـ حقيقة عينيّة واحدة بسيطة ، لا اختلاف بين أفرادها لذاتها إلّا بالكمال والنقص والشدّة والضعف أو بامور زائدة ، كما في أفراد ماهيّة نوعيّة. وغاية كمالها ما لا أتمّ منه ، وهو الّذي لا يكون متعلّقا بغيره ، ولا يتصوّر ما هو أتمّ منه ، إذ كلّ ناقص متعلّق بغيره مفتقر إلى تمامه. وقد تبيّن فيما سبق أنّ التمام قبل النقص ، والفعل قبل القوّة ، والوجود قبل العدم ؛ وبيّن أيضا أنّ تمام الشيء هو الشيء وما يفضل عليه.

فإذا الوجود إمّا مستغن عن غيره وإمّا مفتقر بالذات (٣) إلى غيره. والأوّل هو واجب الوجود ، وهو صرف الوجود الّذي لا أتمّ منه ، ولا يشوبه عدم ولا نقص. والثاني هو ما سواه من أفعاله وآثاره ، ولا قوام لما سواه إلّا به ، لما مرّ أنّ حقيقة الوجود لا نقص لها وإنّما يلحقه النقص لأجل المعلوليّة ، وذلك لأنّ المعلول لا يمكن أن يكون في فضيلة الوجود مساويا لعلّته. فلو لم يكن الوجود مجعولا ذا قاهر يوجده ويحصّله كما يقتضيه لا يتصوّر أن يكون له نحو من القصور ، لأنّ حقيقة الوجود ـ كما علمت ـ بسيطة لا حدّ لها ولا تعيّن إلّا محض الفعليّة

__________________

(١) وبعبارة اخرى : ينتزع عدمها من وجود غيرها ، فإنّ كلّ وجود ممكن محدود بحدّ لا يتعدّاه ، فهو من حيث إنّه يترتّب عليه آثار خاصّة وجود ومن حيث إنّه لا يترتّب عليه الآثار المترتّبة على غيره فهو عدم غيره ، فعدمه ينتزع من وراء حدّه ، وليس وراء حدّه إلّا وجود محدود آخر.

(٢) راجع الفصل السابع من المقالة الاولى من إلهيّات الشفاء.

(٣) وفي المصدر : «لذاته».

۳۳۶۱