في الخارج وسائر العلوم منتهية إلى الحسّ حكمها حكمه فمن أين ظهر أنّ الحقائق الخارجيّة على خلاف ما يناله الحسّ؟ والمفروض أنّ كلّ إدراك حسّيّ أو منته إلى الحسّ ، ولا سبيل للحسّ إلى الخارج. فمآل هذا القول إلى السفسطة ، كما أنّ مآل القول بأنّ الصور الذهنيّة أشباح للامور الخارجيّة إلى السفسطة.

ومن السفسطة أيضا قول القائل : «إنّ ما نعدّه علوما ظنون ليست من العلم المانع من النقيض في شيء».

ويدفعه : أنّ هذا القول : «إنّ ما نعدّه علوما ظنون» بعينه قضيّة علميّة ، ولو كان ظنّيّا لم يفد أنّ العلوم ظنون ، بل أفاد الظنّ بأنّها ظنون ، فتأمّله واعتبر.

وكذا قول القائل : «إنّ علومنا نسبيّة مختلفة باختلاف شرائط الوجود ، فهناك بالنسبة إلى كلّ شرط علم ، وليس هناك علم مطلق ، ولا هناك علم دائم ، ولا كلّيّ ، ولا ضروريّ».

وهذه أقوال ناقضة لنفسها. فقولهم : «العلوم نسبيّة» إن كان نفسه قولا نسبيّا أثبت أنّ هناك قولا مطلقا فنقض نفسه ، ولو كان قولا مطلقا ثبت به قول مطلق فنقض نفسه. وكذا قولهم : «لا علم مطلقا» وقولهم : «لا علم كلّيّا» إن كان نفسه كلّيّا نقض نفسه ، وإن لم يكن كلّيّا ثبت به قول كلّيّ فنقض نفسه. وكذا قوله : «لا علم دائما» وقوله : «لا علم ضروريّا» ينقضان أنفسهما كيفما فرضا.

نعم ، في العلوم العمليّة شوب من النسبيّة ، ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى (١).

__________________

(١) في الفصل الآتي.

۳۳۶۱