إنّما يفيد العلم إذا منع النقيض وكان نقيضه (١) كاذبا.
فهي أوّل قضيّة يتعلّق بها التصديق ، وإليها تنتهي جميع العلوم النظريّة والبديهيّة في قياس استثنائيّ (٢) يتمّ به العلم (٣). فلو فرض فيها شكّ سرى ذلك في جميع القضايا وبطل العلم من أصله.
ويتفرّع على ذلك :
أوّلا : أنّ لنا في كلّ قضيّة مفروضة قضيّة حقّة ، إمّا هي نفسها أو نقيضها.
وثانيا : أنّ نقيض الواحد واحد ، وأن لا واسطة بين النقيضين.
__________________
ـ وأيضا كان الأولى أن يقال في تعريفهما في باب التصديقات : أنّ التصديق النظريّ قضيّة يجوز أن يسأل عنها ب «لم هي؟» لكي يقع في الجواب قضيّة تتّضح بها وجه الحكم فيها.
والتصديق البديهيّ قضيّة تقع في جواب السؤال عن قضيّة ب «لم هي؟» وهذه القضيّة إن كانت بحيث يجوز أن يسأل عنها ب «لم هي؟» تكون بديهيّة بالنسبة إلى القضيّة السابقة ، ونظريّة بالنسبة الي القضيّة الّتي تقع في جواب السؤال عنها ب «لم هي؟». ولم ينقطع السؤال حتّى ينتهي الجواب إلى قضيّة لا يجوز أن يسأل عنها ب «لم هي؟» وهي قضيّة «اجتماع النقيضين وارتفاعهما محال» ، فهي اولى الأوّليات في التصديقات ، وإليها ينتهي كلّ قضيّة نظريّة أو بديهيّة.
وبما ذكرنا يرفع التنافي بين كون القضيّة بديهيّة وكونها غير مستغنية عن قضيّة اولى الأوائل.
وشبّه صدر المتألّهين نسبة هذه القضيّة إلى غيرها من القضايا بنسبة الوجود الواجبيّ إلى وجود الماهيّات ، فقال : «كلّ قضيّة غير اولى الأوّليّات ـ بديهيّة كانت أو نظريّة ـ فهي بالحقيقة هذه القضيّة مع قيد مخصوص». ثمّ صرّح برجوع كلّ القضايا إلى هذه القضيّة عند التحليل. راجع الأسفار ٣ : ٤٤٣ ـ ٤٤٥.
ولكن أورد عليه المصنّف رحمهالله في تعليقته على الأسفار ٣ : ٤٤٥ وقال : «أمّا الرجوع بالتحليل بمعنى تحصيل الحدود الوسطى وتأليف المقدّمات فغير جار البتّة ، فإنّ أوّل الأوائل قضيّة منفصلة حقيقيّة لا ينحلّ إليها القضايا الحمليّة».
(١) وهو قولنا : «ليس الكلّ بأعظم من جزئه».
(٢) بأن يقال : إنّ هذه القضيّة إمّا أن تكون صادقة ونقيضها كاذبا ، وإمّا أن تكون كاذبة ونقيضها صادقا ، لكنّها صادقة فيكون نقيضها كاذبا بالضرورة ، فإنّ اجتماع النقيضين وارتفاعهما ممتنعان.
(٣) أي : العلم بصدق أصل القضيّة وكذب نقيضها.