برهان آخر : لازم توقّف وجود المعلول على وجود العلّة امتناع وجود المعلول مع عدم العلّة ، وبتعبير آخر : كون عدم العلّة علّة موجبة لعدم المعلول (١). وتوقّف هذا المعلول ـ الّذي هو عدم المعلول ـ على علّته ـ الّتي هي عدم العلّة ـ لازمه امتناعه بانعدامها ، أي وجوب وجود المعلول عند وجود علّته. فافهم ذلك (٢).

فإن قلت : الّذي تستدعيه حاجة الممكن إلى المرجّح وتوقّف وجوده على وجود علّة تامّة استلزام وجود العلّة التامّة في أيّ وعاء كانت (٣) وجود المعلول في أيّ وعاء كان. وأمّا كون المعلول والعلّة معا (٤) في الوجود من غير انفكاك في الوعاء فلا. فلم لا يجوز أن توجد العلّة مستلزمة لوجود المعلول ولا معلول بعد ثمّ تنعدم العلّة ثمّ يوجد المعلول بعد برهة ولا علّة في الوجود؟ أو تكون العلّة التامّة موجودة ولا وجود للمعلول بعد ثمّ يسنح لها أن توجد المعلول فتوجده؟ وهذا فيما كانت العلّة التامّة فاعلة بالاختيار بمكان من الوضوح.

قلت : لا معنى لتخلّل العدم بين وجود العلّة التامّة ووجود معلولها بأيّ نحو فرض (٥)

__________________

(١) ويرد عليه ما يرد على سابقه.

(٢) ولعلّه إشارة إلى ما يرد عليهما ـ كما مرّ ـ ، فلا يكونان برهانين على المطلوب.

(٣) وفي النسخ : «كانت هو» وما أثبتناه هو الصحيح.

(٤) وفي النسخ : «معين» ، وما أثبتناه هو الصحيح ، فإنّ كلمة «مع» اسم قد يستعمل مضافا فيكون ظرفا ، وقد يستعمل غير مضاف فينوّن ويكون حالا. وهو بلفظ واحد للجماعة كما للاثنين.

(٥) وإلّا يلزم منه أن لا تكون العلّة التامّة علّة تامّة ، ولا يكون المعلول معلولا ، فإنّ المعلول ـ كما مرّ ـ وجود يتوقّف على الشيء المؤثّر ، والعلّة التامّة ما يتوقّف عليه الوجود ؛ فلو فرض تخلّل العدم بين وجوديهما ـ في أيّ وعاء ـ يلزم أن لا يكون الشيء ممّا يتوقّف عليه الوجود المعلول ، ولا يكون ذلك الوجود متوقّفا على ذلك الشيء ، فلا تكون العلّة في ذلك الوعاء علّة تامّة بالقياس إلى ذلك الوجود ، ولا ذلك الوجود في ذلك الوعاء معلولا بالقياس إلى ذلك الشيء.

والأمر على ما ذكرنا في تعريف العلّة والمعلول أسهل ، فنقول : لا معنى لتخلّل العدم بين الوجود العلّة التامّة مادام علّة تامّة ووجود معلولها مادام معلولا لها ، بأيّ نحو فرض ، وإلّا يلزم أن لا يكون المؤثّر بالفعل ـ وهو العلّة التامّة ـ مؤثّرا بالفعل ، ولا يكون المتأثّر بالفعل ـ وهو الوجود المعلول ـ متأثّرا بالفعل. ـ

۳۳۶۱