والعدم أقدم بالنسبة إليه من غيره ، فليس وجوده عن غيره مسبوقا بعدمه لذاته.
واجيب عنه (١) : بأنّ المراد به عدم استحقاق الوجود بذاته سلبا تحصيليّا لا بنحو العدول (٢) وهذا المعنى (٣) له في ذاته (٤) قبل الوجود الآتي من قبل الغير.
حجّة اخرى (٥) : أنّ كلّ ممكن له ماهيّة مغايرة لوجوده ، وإلّا كان واجبا لا ممكنا ، وكلّ ما كانت ماهيّته مغايرة لوجوده امتنع أن يكون وجوده من ماهيّته ، وإلّا كانت الماهيّة موجودة قبل حصول وجودها ، وهو محال ، فوجوده مستفاد من غيره ، فكان وجوده مسبوقا بغيره بالذات ، وكلّ ما كان كذلك كان محدثا بالذات.
ويتفرّع على ما تقدّم أنّ القديم بالذات واجب الوجود بالذات ، وأيضا أنّ القديم بالذات لا ماهيّة له.
__________________
(١) كذا أجاب عنه الفخر الرازيّ أيضا في المباحث المشرقيّة ١ : ١٣٤. وتعرّض له أيضا صدر المتألّهين في الأسفار ٣ : ٢٤٧.
(٢) أي : أنّ الممكن في ذاته لا يستحقّ الوجود ، فلم يكن موجودا في ذاته ، وإذا لم يكن موجودا كان معدوما. لا أنّه في ذاته لا استحقاقيّة الوجود حتّى يقال : «إنّ ذاته تقتضي العدم وكان ممتنعا».
(٣) أي : عدم استحقاقيّة الوجود.
(٤) أي : للممكن في ذاته.
(٥) تعرّض لها الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ١٣٤ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ٣ : ٢٤٩.
وقال الحكيم السبزواريّ ـ تعليقا على الأسفار ٣ : ٢٤٩ ـ : «يستخرج من هذا الوجه أنّ الحدوث الذاتيّ مسبوقيّة الوجود بالغير ، كما يستخرج من الوجه الأوّل أنّ الحدوث الذاتيّ مسبوقيّة الوجود بالعدم ، والسبق فيهما بالذات».
وقال المصنّف رحمهالله أيضا ـ تعليقا على الأسفار ٣ : ٢٤٧ ـ : «الوجهان يشتركان في إثبات أنّ كلّ ذي ماهيّة ـ وإن شئت قلت : كلّ ممكن ، أو كلّ معلول ـ فإنّه حادث ذاتيّ ، ويلزمه أنّ الواجب قديم ذاتا لعدم مسبوقيّة وجوده بعدم. وانّما يختلف الوجهان باختلاف تفسيرهم الحدوث الذاتيّ. فالوجه الأوّل مبنيّ على تفسير الحدوث الذاتيّ بكون وجود الشيء مسبوقا بعدمه لذاته. والوجه الثاني مبنيّ على تفسيره بكونه مسبوقا بغيره لذاته».